دور الأهل في زرع مراقبة الله في نفوس الأبناء
2024-03-18 12:22:54
439

أختي الكريمة من المهم أن نزرع مراقبة الله في نفوس أطفالنا في شهر رمضان وفي غير ه على السواء، ويكون استشعار مراقبة الله للطفل في كل أوقاته، وأنَّ الله مطلع على أعماله كلها ومحصيها ومحاسبه عليها، وأنَّ الله لا تخفى عليه خافية {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، فلا يمكن أن يتجرأ على المعصية حين يخلو بنفسه ولا يراه أحد؛ لأنه يعلم أن الله يراه، فحين يستشعر الطفل هذه المعاني يراقب الله، ويعلم أن الله لا تخفى عليه خافيه؛ فيستحي أن يصعد إليه من كلامه أو أفعاله ما يخزيه ويفضحه.

ونُذَكِّر الطفل أن الله قد وكَّل به ملائكة لا يفارقونه إلا عند قضاء الحاجة، يحصون عليه أعماله ويكتبونها، وأنَّ هناك على الكتف الأيمن مَلَكًا يكتب الحسنات، وعلى الكتف الأيسر ملكًا يكتب السيئات والأخطاء، فإذا أخطأ الطفل فليسارع بالاستغفار قبل أن تُكتب في سجلّ السيئات، وحتى إن كُتبت فالاستغفار يمحوها ويبدِّلها حسنةً بإذن الله؛ وذلك لأنَّ الله يحبنا ويريد لنا الخير في كل وقت.

ومع أنَّ الطفل في هذه المرحلة غير محاسب لأنه دون التكليف، إلا أنَّ غرس هذه المراقبة لله والخوف من المعصية أمر لا بُدَّ منه مبكراً؛ حتى يَشُبَّ الطفل عليه، ونعلِّم الطفل أن صيام شهر رمضان لله، وأنه هو الذي سيعطينا الثواب، وأنه مطلع علينا في كل وقت وفي كل مكان، ومما يساعد على ترسيخ هذه المراقبة، القصص الواقعية، والأطفال بطبيعتهم يحبون القصص وينصتون إليها، ومن تلك القصص:

روي أنه كان هناك رجل في سفرٍ فرأى غلامًا يرعى غنمًا، فقال له: تبيع من هذه الغنم واحدة؟
فقال الغلام: إنها ليست لي.
فقال الرجل: قل لصاحبها: إن الذئب أخذ منها واحدة.
فقال الغلام: أين الله؟
فكان الرجل يقول مقالة ذلك العبد: فأين الله؟

وروي أنه أصدر أحد الحكام قانونًا يمنع غش اللبن بخلطه بالماء.. ولكن هل تستطيع عين القانون أن ترى كل مخالف، أو أن تقبض على كل خائن وغاشٍّ؟ القانون أعجز من هذا.. الإيمان بالله والمراقبة له هو الذي يعمل عمله في هذا المجال.

وهنا تحكي القصة المشهورة، حكاية الأم وابنتها: الأم تريد أن تخلط اللبن بالماء طمعًا في زيادة الربح، والبنت المؤمنة تذكِّرها بمنع الحاكم، وتردُّ الابنة بالجواب المفحم: إن كان الحاكم لا يرانا، فرَبُّ الحاكم يرانا!!

وهناك قصة أخرى وهي أن هناك أحد المشايخ كان يحب طالبًا لديه أكثر من بقية الطلاب فغار الطلاب منه فأراد الشيخ أن يبين لهم قدر هذا الطالب فأمرهم يومًا من الأيام أن يأتوا ويحضروا معهم دجاجة حيه فجاؤوا جميعًا ومعهم الدجاجة، فقال لهم: أريد من كل واحد أن يذبح دجاجته في مكان لا يراه فيه أحد فذهب الطلاب جميعًا يبحثون عن المكان ثم بعد مدة جاؤوا جميعًا ودجاجاتهم مذبوحة إلا هذا الطالب فقد تأخر فغضب الشيخ منه فلما أتى وإذا بدجاجته ما زالت حية، فأنبه الشيخ وقال له: تأخرت ولم تذبح دجاجتك أيضًا. فقال له الطالب: بحثت عن كل مكان لا يراني فيه أحد فلم أستطع لأن كل مكان أذهب إليه يراني فيه الله فعرف الطلاب قدره وعذروا الشيخ على حرصه عليه من بينهم.

أختي الطيبة، كثيرًا ما يحدّث الابن أباه عن بعض ما يراه من مواقف فيها مخالفة شرعية كالغش والكذب فيجدر على المربي ألّا يدع الأمر يمر مرور الكرام بل يعلق على ذلك وألّا يجعل خوفه معلقًا بأشياء، مثلًا أن يعلق فعل السرقة بقطع اليد بل يعلق ذلك الفعل بالخوف من الله.

مستمعتي إن الخوف من الله مفهوم تربوي إيماني يختلف من مرحلة عمرية لأخرى، ففي السن الصغيرة يرتبط معنى الخوف بالأشياء غير المحببة ومصادر الاضطراب فيفضل استبداله بمفهوم المراقبة مثلًا، كما نحتاج للعديد من الأمثلة الملموسة والمحسوسات لإيصال المعنى وغرسه.
ومن الوسائل المهمة لغرس الخوف من الله والمراقبة في نفوس الأبناء هي وجود القدوة الحية والملموسة أمامهم، والمتمثلة في سلوكيات المحيطين بهم عامة والوالدين على وجه الخصوص.

فليلمس الطفل الحرص على تحقيق الخوف من الله في سلوكيات والديه حتى يقتدي بهما، وفي السن الصغيرة يتم تعزيز المفهوم من خلال شرحه للطفل والإجابة عن تساؤلاته حول سلوكيات الوالدين، فإذا سأل الطفل مثلًا: لماذا لا نسمع الأغاني؟ تكون الإجابة: لأن الله لا يحب الأغاني وهي حرام، والله يرانا ولا نريد أن يغضب علينا.

كما يتم استخدام أسلوب التربية بالآيات القرآنية من خلال الوقوف على آيات الخوف في القرآن وتفسيرها بما يتناسب مع عمر الطفل، وتدبرها وجعل الطفل يحفظها قدر إمكانه ويرددها باستمرار، ومن أنفع الأساليب كذلك في تعزيز مفهوم الخوف من الله الاعتماد على الحوار والوعظ وللوالدين في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة حسنة، روي أن هناك رجلًا كان جالسًا مع  النبي صلى الله عليه وآله يومًا فقال له النبي: يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

كذلك يعدّ أسلوب ضرب الأمثال من أنجح الأساليب وهو الأسلوب الذي اتبعه لقمان في وعظ ابنه، قال تعالى:{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.

كذلك لابد من تعزيز المواقف واستثمار الأحداث وربطها بصورة مباشرة بالخوف من الله واستحضار مراقبة الله، فيمكن للأم أن تستثمر على سبيل المثال فترة الاختبارات وتتحدث عن تحريم الإسلام للغش وربط ذلك بضرورة الخوف من الله، كذلك تستثمر السلوكيات الحسنة للأبناء وتربطها بالخوف من الله وطلب رضاه، وهذه مجموعة من الأساليب التربوية التي يمكن أن تساعد الوالدين في تعزيز مفهوم زرع مراقبة الله في نفوس الأبناء.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج أبناؤنا وشهر رمضان - الحلقة الرابعة - الدورة البرامجية 38.


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا