الدلال الزائد وآثاره المستقبلية الجسيمة

2023-10-07 06:53:53

646
إن التدليل نهج يتّبعه العديد من
الناس في علاقاتهم مع أولادهم، رافعين شعار الحنان الزائد لمن يحبون،
ناسين أو متناسين أنّ الإفراط في هذا الأمر يؤدي إلى نتائج سلبية
تتعدى مرحلة الطفولة إلى مرحلتي المراهقة والنضج..
لذا فإن السلوك العائلي، ومحيط الأسرة
الثقافي يؤثّران تأثيرًا كبيرًا في تكوين الشخصية واتجاهاتها
المستقبلية، كما أن سنوات الطفولة الأولى هي مرحلة تكوين الشخصية
الإنسانية، وتنمية المواهب الفردية، فمن خلال احتكاك الطفل بمحيطه،
تتشكل ردود فعله على المثيرات الخارجية، ونصف ردود فعله الثابتة تكتمل
في سنوات عمره الأولى.. لذا فإن الإفراط في تدليل الأطفال يتسبب
بسلوكيات سلبية يتجاوز تأثيرها محيطه الأسري، إلى المدرسة
وغيرها.
وهنا سؤال يطرح نفسه: من هو الطفل
المدلّل؟
إن الطفل المدلّل هو الذي يثور عندما
لا تُلبّى احتياجاته، ويفرض على أبويه رغباته بغضّ النظر عن رأيهما في
مدى إيجابية أو سلبية هذه الرغبات.
مثلًا نجد طفلا ووالدته في أحد
المتاجر، الطفل يريد بعض الحلوى، ولكن الأم ترى أنه يجب أن ينتظر إلى
ما بعد تناول وجبة الغداء.
الطفل لا يستسلم، ويعترض بالصراخ
والبكاء إلى حد إلقاء نفسه على الأرض، فترضخ الأم لرغبته وتشتري له ما
يريد.
وعليه، فإنّ هذا الطفل مدلّل لأنه لم
يلتزم القواعد التي وضعتها والدته، وقد استسلمت هي لسلوكه السيّئ، إذ
عرف أنه يستطيع الحصول على ما يريد عن طريق الصراخ ولفت الأنظار إليه.
هنا كان على الأم أن تصرّ على رأيها متحلّية بالهدوء، حتى يتعوّد
ابنها أنّ هناك قواعد لا يمكن اختراقها بمثل هذا السلوك.
ويتّصف سلوك الطفل المدلّل بعدة أمور
منها:-
- عدم اتّباع قواعد التهذيب أو
الاستماع إلى توجيهات الأهل.
- الاحتجاج على كل شيء، والإصرار على
تنفيذ رغباته.
- عدم التمييز بين احتياجاته
ورغباته.
- طلب أشياء كثيرة أو غير مقبولة من
الآخرين.
- دائم التململ والشكوى.
- يفرض رأيه ولا يحترم حقوق
الآخرين.
- يبكي ويغضب باستمرار.
- لا يتحمل الضغوط.
مشاكل تواجه الطفل
المدلّل:-
يواجه الطفل المدلّل مشاكل كثيرة
وصعوبات جمّة إذا بلغ السن الدراسية من دون أن يتغير أسلوب تربيته..
كما أن الأطفال المدلّلين غالبًا ما يكونون غير محبوبين في المدرسة
لفرط أنانيتهم وتسلّطهم، كما أنهم قد يكونون غير محبوبين من الكبار
أيضًا، بسبب سلوكهم وتصرفاتهم، ومن ثم يصبحون غير سعداء، الأمر الذي
يجعلهم أقل اهتمامًا بالواجبات المدرسية.
ونظرًا لافتقارهم إلى السيطرة على
أنفسهم فقد يتورطون في السلوكيات الخطرة، كتعاطي المخدرات والانحراف
والجريمة، إذ إن الطفل المدلّل عندما يشبّ ويكبر، يريد أن تكون طلباته
مجابة سواء من والديه أو ممن هم حوله من الأقرباء والأصدقاء، لكنه
يصطدم بالواقع العملي للحياة عندما يحتك به، في مراحل حياته المختلفة.
فالكثير من الأمور تحتاج من الوقت والجهد ما لا يستطيع الإنسان
المدلّل تحمّله.
وانطلاقًا مما تقدّم، على
الوالدين وضع قواعد تهذيب السلوك الخاصة بطفلهما.. يبدأ تهذيب الطفل
منذ السن التي يحبو فيها، ورفض طلبه بكلمة «لا»، قد يكون ضروريًا،
فالطفل بحاجة إلى مؤثر خارجي يسيطر عليه حتى يتعلم كيف يسيطر على نفسه
ويكون مهذبًا، وهو سيظل يحب والديه وإن رفضا طلبه.
من المهم أن يعتاد الطفل الاستجابة
بصورة لائقة لتوجيهات والديه قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة، ومن هذه
التوجيهات: جلوسه في المقعد المخصص له في السيارة، عدم ضرب الأطفال
الآخرين، الاستعداد لمغادرة المنزل في الوقت المحدد صباحًا من دون
مماطلة، وكذلك، التزام الوقت المحدّد للذهاب إلى الفراش.. هذه النظم
التي يضعها الكبار ليست محل نقاش مع الطفل.. غير أنّ هناك بعض الأمور
التي يمكن أن يؤخذ فيها رأيه، ومنها: أي من الأطعمة يأكل؟ وأي قصة
يُحب أن يسمع؟ وماذا يريد أن يلعب؟ وماذا يرتدي من
الملابس؟
من الضروري توجيه الطفل ليستطيع
التمييز بين الأشياء التي يكون مخيّرًا فيها، وبين قواعد السلوك
المحددة التي ليس فيها مجال للاختيار.
لمعالجة هذه الظاهرة :
قد يبكي الطفل نتيجة إحساسه بالألم أو
الجوع أو الخوف، في هذه الحال يجب الاستجابة له مباشرة خلافًا لبكائه
لأسباب أخرى لن تسبب أي أضرار له.
في العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته
وأهوائه، وقد يكون جزءًا من نوبات الغضب الحادة، فمن الأفضل هنا أن
يتم تجاهله وعدم معاقبته، وإخباره بأنه طفل كثير البكاء، وعليه أن
يكفّ عن ذلك.
وعلى الرغم من أنّه لا يجوز تجاهل
مشاعر الطفل، لكن يجب ألّا يتأثر الأهل ببكائه إلى درجة تجعلهم
يستجيبون لرغباته تلقائيًا.
ولكي يتم تعوّض الطفل عن التجاهل عند
بكائه ننصح بالعناق الطويل وتوفير الأنشطة الممتعة له في الوقت الذي
لا يبكي فيه ولا يكون غاضبًا.
هناك أيضًا بعض الأوقات التي يجب فيها
تجنب الاهتمام بالطفل أو ملاعبته مؤقتًا، كي تساعديه على تعلم شيء مهم
(مثل توقفه عن عادة سيئة).
لا ينبغي على الأهل بأن يسمحوا لنوبات
غضب الطفل بالتأثير عليك فقد تنتاب الطفل أحيانًا نوبات غضب حادة
هدفها جذب انتباهك أو ثنيك عن عزيمتك وتغيير رأيك، وإعطاؤه ما يريد..
وقد تكون نوبات الغضب على شكل نُواح أو تذمّر أو شكوى أو بكاء، وقد
تصل إلى حدِّ إيذاء النفس.. وإذا ظل الطفل في أثناء هذه النوبة في
مكانه ولم يكن في وضع يعرّضه للأذى، فالإهمال وعدم الاستسلام لنوبات
غضبه هو الحل الأمثل.
السؤال: ماهو السلوك الأنسب في
التعامل مع الطفل؟
إن الانتظار يعلم الطفل كيف يتعامل مع
الضغوط والمعاناة بصورة أفضل، وهو سوف يحتاج كثيرًا إلى هذه المهارة
عندما يصبح كبيرًا.
لذلك فإن تأخير تلبية الرغبات سِمَة
يجب أن يكتسبها تدريجًا بالممارسة.. فلا ينبغي على الأهل الشعور
بالذنب إذا جعلت طفلك ينتظر قليلًا من حين إلى آخر، فالانتظار لن
يصيبه بضرر مادام لا وجود لأمر يسبب ضيقًا أو إزعاجًا، بل على العكس
من ذلك، سيقوي مثابرته وتوازنه العاطفي.
حدوث التغيرات، مثل الخروج من المنزل
وبدء الحياة المدرسية، يُعَدَّان من ضغوط الحياة العادية التي تعلّم
الطفل، وتجعله قادرًا على حل مشاكله، لذا على الأهل أن يكونوا دائمًا
قريبين ومستعدين لمساعدته عند اللزوم، لكن لا تساعدوه إذا كان يستطيع
التحمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج
(لعيون الورد) الدورة الــ 76 - الحلقة الثالثة.