كيفية نشأة الاخلاق لدى الطفل
2021-01-04 12:40:42
475

إن دراسة كيفية نشأة الاخلاق لدى الطفل تعد من المواضيع الجدلية لأن القضية الأخلاقية بمثابة عنصر بنيوي في واقع الحياة الإنسانية اكتسبت أهمية مضاعفة منذ القدم واستأثرت باهتمام الفلاسفة والمفكرين وعلماء الدين والأخلاق منذ ظهور البشرية..ومن هنا فإن الأخلاق تمتد في عمق التاريخ ولها ماضٍ بعراقة العلاقات الانسانية الاولى. 
ومن بين النظريات الأخلاقية الكثيرة التي ظهرت في تقييم السلوك الأخلاقي للطفل هي نظرية: " النظام التكاملي التحولي".
وهذه النظرية هي مركز الالتقاء إلهام في مضمار علم نفس الطفل حيث تبتعد عن حالتي الإفراط والتفريط لدى دعاة الفطرة او البيئة لتخرج بحل وسط يأخذ بنظر الاعتبار كلا العاملين: الفطرة والطبع والبنية الذاتية من جهة والبيئة والثقافة الخارجية من جهة أخرى ليؤازر أحدهما الآخر في رسم الهيئة النهائية لأخلاق الفرد.
إن التكامل الاخلاقي يقسم الى ثلاث مراحل:

- أخلاق التمرد: وهنا لا ينقاد الطفل لأي ضابطة أو قرار أخلاقي وذلك لافتقاره الى أي قدرة ذهنية مضافاً الى محورية ذاته بالنسبة إليه.

- أخلاق التقليد والاقتداء "من الخامسة الى العاشرة" وفي هذه المرحلة تكتسب القوانين والمقررات الأخلاقية طابعاً قدسياً لا يتزعزع في نظر الطفل الذي يجد في الكبير أنه المرجع الأعلى في التقييم الاخلاقي ولابد أن يطاع من غير نقاش.

- أخلاق الاستقلال "من العاشرة الى ما بعد ذلك": في هذه المرحلة تحصل تطورات أساسية في النظام القيمي عند الطفل وذلك بسبب نضج بناه المعرفية وظهور الفكر التجريدي من جهة واتساع نطاق تجاربه الحياتية والاجتماعية وعلاقاته مع أقرانه من جهة أخرى.

وعند ذلك يتجه الطفل بنفسه لإعادة النظر في كثير من القوالب الأخلاقية الجاهزة ويحاول أن يصدر حكمه الخاص والمستقل تجاهها ويبدأ ببناء علاقاته وسلوكياته على قاعدة الاحترام المتبادل.

ومراحل التحول الأخلاقي عند الطفل تكون بثلاث مستويات وستة مراحل:

- مستوى أخلاق ما قبل الاتفاق: وهنا لا يعير الطفل أهمية لأي قانون معيار أخلاقي ويكون سلوكه خاضعاً هذه المرة لقانون الترغيب والترهيب.

- مستوى أخلاق الاتفاق: والحافز هنا على الفعل الاخلاقي هو استئناس الطفل بإشادة الآخرين والخوف من توبيخهم له بمعنى أن المعيار هنا هو مدى المقبولية الاجتماعية.

- مستوى أخلاق ما قبل الاتفاق: حيث يتحرر الأفراد في هذا المستوى من أسر القوانين والمقررات الوظيفية ويشرعون في ترسيخ هذه المقررات وجدانيا بلحاظ إدراك ما فيها من المنافع تعود بالخير على الصالح العام والتقييم هنا يكتسب طابعا إنسانياً عاما يتجاوز ضيق أفق القانون.

أما الأسلوب الأجدى والأكثر اطمئناناً من حيث دقة نتائجه وانطباقه على المستوى الواقعي لقدرة الطفل على الاستدلال في المضامير الأخلاقية، وهذا الأسلوب يقوم على أساس أن تفكير الطفل يتطور مرحلياً وأننا نجهل مسبقا ما سنحصل عليه أجوبة من قبل الاطفال بسبب اختلاف أعمارهم، هذا الأسلوب يحقق لنا أعلى مستوى من الدقة المصحوبة بالعفوية وعدم التكلف وهو ما يقودنا الى التشخيص الأدق لمستوى هؤلاء الأطفال..

ونضيف أيضاً أننا لو كنا بصدد دراسة شخصية الطفل من الجانب الأخلاقي فإن الأكثر أهمية ليس نوع الإجابة والحكم الذي يصدره خلال موقف أخلاقي معين بل المهم أن نستكشف المحفزات الواقعية التي تقف وراء تبلور مثل هذه الأحكام تجاه السلوك الاخلاقي، والحقيقة فإن المهم هو اكتشاف قابلية الطفل للانسجام مع القيم والنشاطات التي تشهدها صفحة ذهنه.

وعبر هذه الطريقة يتاح للطفل أن يتسلط على ميدان المناظرة والجدل ولا يجد نفسه محاصراً بضوابط وخطط معدة مسبقاً وبهذا تنحى العملية الفكرية لطفل مسارها الطبيعي دون أن يفرض عليه شيء معين ومن خلال ذلك يقوم المشرف التربوي بتتبع هذا المسار عن كثب الى أن يضع إصبعه على العلل والأساليب التي تدعو الطفل الى إعطاء أجوبته.

هذا وتعد المباني التربوية في تعليم الأخلاق أحد العناصر المهمة في نشأة الأخلاق عند الطفل أن من المهم جداً في صياغة شكل السلوك الاخلاقي للطفل أن نكون ملمين بأساليب التربية الأخلاقية التي تتبع معه سواء في البيت أو المدرسة أو المحلة أو المجتمع.

ويجب أن يتم دراسة المفاهيم الاخلاقية بنحو يتناسب مع النمو النفسي للطفل وعن طريق الاستخدام المباشر والمتواصل لأغلب الوقائع الحياتية اليومية ويجب الانتباه الى خطورة مطالبة الطفل بسلوك أخلاقي معين ما لم يحصل الوثوق قبل ذلك بأنه قد استوعب المفاهيم المرتبطة بذلك الاسلوب.. وبالنظر لأن الاطفال يميلون الى التشبه بالكبار فمن المرجح إذن أن نلجأ الى أسلوب خلق الأسوة الأخلاقية بالنحو الذي ينسجم مع رغبة الطفل ونوع المرحلة التي ينمي إليها، وكما هو معروف فإن العلم شيء والعمل شيء آخر وعليه فإن تعليم الأطفال على السلوك الصحيح هو نصف العملية التربوية الاخلاقية وأما نصفها الآخر فهو حث الطفل على ممارسة ذلك السلوك، وعلى ضوء ذلك فان المعول عليه في التربية الأخلاقية ليس هو مجرد إيصال المفاهيم السامية من قبيل الصدق والعدل والشجاعة بل كل ما يؤدي فعلياً الى تحلي الطفل عملياً بهذه الخصال الحميدة وإعداده لترجمة أحكامه واستدلالاته الأخلاقية على شكل سلوكيات يومية تظهر منه في البيت والمدرسة والشارع.

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج العماد الراسخ -الحلقة السادسة.


 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا