احترام المعلم لشخصية التلميذ وأهميته في التواصل بينهم
2020-08-02 07:58:33
1158

إن التعليم أخواتي الفاضلات رسالة شريفة، ومسؤولية ثقيلة، وحِرفة عظيمة، فبه حفظ للفطرة وتربية للعقل وشحذ للهمة وإعداد للقوة ، وعلى من يتصدى لهذه المهمة الجليلة أن يقدرها قدرها ليوفيها حقها ويبلغ أمانتها.

وللمتعلم على من يُعلمه مجموعة من الحقوق واجب عليه أن يستوفيها وأن ينهض بها بصدق وكفاءة حتى يؤدي التعليم رسالته الخالدة والحاسمة في قيام الأمم، واول هذه الحقوق هو حق الاحترام.

إن العملية التواصلية بين الأستاذ والتلميذ تتم بواسطة قنوات متعددة، أبرزها اللغة والفكر، وفق محتوى المقرر الدراسي وطبيعته، وما يرتبط به من طرائق التدريس...وما يدعمها من عوامل مساعدة كالصوت والتحرك داخل فضاء الصف... وكلها مقومات تستدعي شروطاً أخرى كانضباط التلاميذ واحترامهم لأستاذهم ... لكن رغم ما يمكن أن يحققه كل من جهاز البث لدى الأستاذ  وجهاز التلقي لدى التلميذ من درجات الانسجام والتجاوب– إلا أن التواصل بين الجهازين لا يمكن أن يكتمل إلا في إطار احترام الأستاذ لشخصية التلميذ؛ فالتلميذ خصوصاً في مراحل الثانوية، يبدأ في ترسيخ معالم شخصيته وتشكيل وعيه، لذا يحتاج إلى العطف والإرشاد، ويريد الاعتراف والتقدير، وإعطاءه القيمة التي يحس بالحاجة إليها ومعاملته ككيان أو شخص مرغوب فيه؛ وسن التلميذ في هذا المستوى، يجعلهم حريصين على إثبات الذات بين أقرانهم، فلا يقبلون بما يمس شخصيتهم بسوء، فمثلاً، لا ينبغي تحسيس التلميذ بحدة بالنقص الكامن في شخصيته -إن وجد- بشكل قاس، كما وينبغي على الأستاذ احترام الانتماء العرقي والقلبي للتلميذ، فلا يشعر تلاميذته بأي تمييز أو ميول تجاه عرق أو انتماء، وهذا ما ينطبق أيضاً على ضرورة جعل التلاميذ  سواسية مهما تكن طبقاتهم الاجتماعية.

إضافة الى ذلك ينبغي على المعلم عدم السخرية من الوضع المادي والشخصي للتلميذ والذي ساهمت فيه الظروف الاجتماعية والثقافية، فإذا كان حسن الهندام – مثلا – أمراً مرغوباً فيه، فإنه على الأستاذ ألا ينتج مواقف غير مسؤولة تحدث تشويشا داخل أجهزة التواصل عندما يرى التلميذ بلباس متسخ ومتواضع يرتبط بوضعية الفقر، أو بلباس يساير الموضة العصرية، فالتلميذ كيان ينتظر الاعتراف، ويبحث عن مكان بين الناس، ويريد الاحترام لنفسه ولا يقبل السخرية منه ... في حين يمكن أن يستجيب إذا كان الأستاذ ممن

يسعى تدريجيا إلى دفع التلاميذ لجعل هندامهم في مستوى المؤسسة التربوية، لأننا لا يمكن أن نتصور مؤسسة تربوية حقيقية تحتضن أشكالا لا أخلاقية من الهندام، والذي نقصده هنا اخواتي هو كيفية التأثير في سلوك التلميذ حتى يخرج عن النمط الغير جيد من اللباس إلى النمط المقبول تربوياً.

ومن جوانب احترام المعلم لطلبته مراعاة الاختلاف والتمايز، وتحويله إلى ظاهرة صحية تخدم التواصل وتسهم في تنمية فكر التلاميذ وقناعاتهم، مما يجعل الأستاذ أبا روحيا وقدوة حقيقية في مجالات التفكير السليم المنفتح.

ومثال على هذا الاختلاف والتمايز إن لبعض التلاميذ ميولات دينية متشددة أو منفتحة، فليس ضرورياً أن ينتمي الأستاذ إلى نفس اتجاهاتهم كي يتواصل معهم، كما لا يعني اختلافه معهم أن يعلن الحرب عليهم؛ بل للتواصل هنا مسلك واحد هو معاملتهم بموضوعية، وهذا لا يقوم له قائم إلا بفهم العمق الفكري للتلميذ، لأنه في سن يحتاج إلى مؤطر يصحح الأخطاء بتأن وتعقل ويحول تفكيره من الهشاشة إلى الصلابة، ومن التعصب إلى الاعتدال؛ فمن مهام المدرسة تطهير الموروث الثقافي عن طريق تنقيحه من الممارسات السلبية.

نعم فموضوعية الأستاذ في التعامل مع الجميع يراقبها التلميذ باهتمام فائق،  ويفيض اثرها باحترام الأستاذ وحبه، ثم حين يتأكد منها فإنه يصير مستعدا لتقبل توجيهاته وانتقاداته بصدر رحب، في جو من الثقة التي تعتبر ركائز التواصل الحقيقي.

وأخيراً أخواتي نشير الى أن احترام شخصية التلميذ لا يعني ترك ماهو قائم، بل التعامل مع الآخر بفهم خصائصه النفسية وتفسير سلوكاته عن وعي وحماية كيانه من كل ما يحرمه من الأمان والثقة  وذلك بوسائل كثيرة ومتاحة. وقبل هذا وذاك اخواتي فان على الأستاذ أن يبدأ بنفسه أولاً.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج المورد العذب-الحلقة العاشرة- الدورة البرامجية57.

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا