تُعَدّ الأخلاق منظومة متكاملة من الأسس والمناهج التي تهدف إلى بناء وتطوير المجتمع، بما يعزز من فهم الإنسان لقيمة الحياة، فهي تُشكِّل مرتكزاً أساسياً ترتكز عليه القوانين والأحكام، لصيانة الحقوق الاجتماعية للإنسان. ومع وجود الأخلاق، يكتمل دور الدين والشريعة الإسلامية الحقة، فهما متلازمان لا ينفصلان، وتتجلى من خلالهما رسالة السماء في تهذيب السلوك الإنساني.

وتمثّل الأخلاق المحور الحيوي والتغيير الجوهري في رُقيّ المجتمع، فهي التي تحفظه من الانهيار، وتحول دون انزلاق أفراده نحو سلوكيات خاطئة، تفتقر إلى العقل والوعي والبصيرة. وإذا غابت الأخلاق لم يعد للقانون وحده أثرٌ في إصلاح المجتمع، إذ يغيب معه الضمير الحي والهوية الإنسانية التي تدعو إلى الإحسان والتحلّي بفضائل السلوك. فالأخلاق صفة فطرية تميّز الإنسان عن سائر الكائنات، وتكمّل إنسانيته، وتمنحه شرف الرفعة والسمو.

وقد كانت سيرة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) تجسيداً حيّاً لهذه المبادئ.. فعن الإمام الصادق (عليه السلام) يصف حال والده (عليه السلام) في ذكر الله تعالى بقوله: «وكانَ أبِي (عليه السلام) كَثِيرَ الذِّكْرِ، لَقَدْ كُنْتُ أمْشِي مَعَه وإنَّه لَيَذْكُرُ اللهَ وآكُلُ مَعَه الطَّعامَ، وإنَّه لَيَذْكُرُ اللهَ ولَقَدْ كانَ يُحَدِّثُ القَوْمَ، وما يَشْغَلُه ذلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وكُنْتُ أرَى لِسانَه لازِقاً بِحَنَكِه يَقُولُ: (لا إله إلَّا اللهُ)، وكانَ يَجْمَعُنا فَيَأْمُرُنَا بِالذِّكْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ...» (الكافي: ج٢/ص٤٩٩/ح1).

وكان الإمام الباقر (عليه السلام) رغم قلة ماله، أعظم أهل بيته مؤونة، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): «كان يتصدَّقُ كلَّ جمعةٍ بدينارٍ، وكان يقول: الصدقةُ يومَ الجمعةِ تُضاعَفُ؛ لفضلِ الجمعةِ على غيره من الأيام» (ثواب الأعمال: ص٢١٣).

إنّ مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) أسست لنهج تربوي وأخلاقي أصيل، ساهم في بناء شخصية الإنسان الذي كرّمه الله سبحانه، وعملت على ترسيخ مبادئ الأمن، والمحبة، والتفاهم بين الناس، من خلال منهجية أخلاقية متجذرة، تنبع من جوهر الرسالة الإسلامية الخالدة.

• الشيخ حسين التميمي