تدخُّل الأهل بين الأزواج
2020/01/31
755

إن الإسلام لم ينفِ علاقة الأهل في كل جوانب حياة أبنائهم، ومنها الجانب الزوجي فإن الأهل في النهاية يمتلكون تجربةً وخبرةً ووعياً أكثر من أبنائهم، إضافة إلى حرصهم على أن تنجح العلاقة الزوجية من باب حب الخير لأولادهم وإشفاقهم عليهم، وكثيراً ما يكون التدخل الإيجابي من الأهل في مشكلة معينة حصلت بين أبنهم وزوجته أو بين ابنتهم وزوجها عاملاً في إصلاح ذات البين، ووضع أسس سليمة للمستقبل؛ كي لا يقعوا من جديد فيما وقعوا فيه سابقاً، وتأكيداً على أهمية هذا الدور أشار الله عز وجل إلى تدخلهم في مشاكل أولادهم الزوجية؛ فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيراً}.

والحَكَم هو الإنسان غير المتحيّز؛ الذي يعمل الحكمة في الرأي الذي يتبناه حتى لو كان على خلاف هوى ابنه أو ابنته، فيكون حكمه موضوعياً ويكون هو نفسه على مسافة واحدة من الفريقين، بل تراه مع الطرف الذي لا ينتسب إليه برابطة النسب إن كان الحق ضد ابنه أو ابنته إن كان متجاوزاً للحق وظالماً، وعليه فإذا كان يمتلك من الموضوعية ويمتلك من العدالة ومن الإيمان ما يجعله ينسى العلاقة بينه وبين من يريد أن يحل له مشكلته، ويجعل في أساس الموضوع العدل والحق.

العبارة الأخرى التي يجب الإلتفات إليها هي عبارة(إن يريدا أصلاحاً)، فأيضاً يجب أن يكون الطرفان الحَكَم من أهل الزوج والحَكَم من أهل الزوجة يريدان الإصلاح لا أن يكون هدفه من أول الأمر أن ينهي العلاقة ويطلِّق، بل أن يكون غايته الإصلاح في أول الأمر ويبذل الجهد الكبير في سبيله، وآخر الدواء هو الطلاق، والطلاق أمر وإن كان مكروهاً إلا أنه مفتاح من الناحية الشرعية؛ خوفاً من تفاقم الأمور إلى ما هو أعظم وأصعب، إذاً يجب أن يكون في أساس الذهاب لحل المشكلة إنهما يريدان الإصلاح، فإذا أرادا الإصلاح فالله يوفّق وبمعنى آخر بمفهوم المخالفة إذا لم يُردا الإصلاح لا يوفقهم الله.


الإسلام جعل للأهل دوراً كبيراً، ولكن هذا الدور منحصر في الإصلاح وفي حل المشكلة، وفي عدم التعصب للطرف الذي ينتمي إليه، إذا كان مخطئاً فليقل إنه مخطئ وإذا كانت المشكلة من عنده يجب أن يفهمونه أن المشكلة من عندك، ويجب عليك أن تحلها المشكلة بأن تغير من صفاتك أن تغير من أمورك التي كانت سبباً في المشكلة.

نحن نقول للزوجة لا تضغطي على زوجك حتى يأخذ بحقك من أهله، وأن يعاقبهم، وعليك أن تستوعبي الموضوع بأن يكون هناك سعة للتحرك في المعالجة من قِبَل زوجك، وإياك أن تفكّري بأن يقتص زوجك لك من أبيه، بل إنك ستكبرين في عينه إن كتمت الموضوع عنه ولم تخبريه به، وأن تبادري إلى تهوين الأمر عليه فيما لو عرف الموضوع عن غير طريقك، بأن تقولي له مثلاً: "أنا أعُدُّه كوالدي ولا ضغينة في قلبي عليه، أو أعُدُّها كوالدتي ولا شيء لي عليها سامحها الله".

لا تطلبي من زوجك أن ينتصر أمامك؛ لأن الأهل سوف يتعاملون مع ابنهم بقسوة؛ لأنهم يعتقدون أنهم ينتصرون له ويدافعون عنه وهو يقف إلى جانبك، فيتحول بالنسبة إليهم ابناً عاقاً أو عبداً لك أو محكوماً منك أو ما شابه، ويجب عليك أن تدعيه يعالج الموضوع بموضوعية وأي مشكلة تحصل بينك وبين أهله أخبريه بها إذا كان هناك ضرورة لإخباره وهو يحل الموضوع بالطريقة المناسبة، فقد يذهب إليهم ويرجوهم بعدم التدخل معك مع إبداء كامل احترامه وحبّه لهم، وإنه لا يستغني عنهم، وإنه يعلم بأنهم يريدون له الخير وإنهم على رأسه، ولو أرادوا سيقبِّل رأسهم وأقدامهم، ولكن ليدعوه يعيش معك براحة وأمان ويعالج أي خلل بالطريقة المناسبة دون تدخل منهم، وليخبر الرجل أهله أنه إذا كان لهم على زوجته أي انتقاد فليخبروه به وهو يتصرف معها ويحصل حقهم منها، ويكون الزوج بواسطة ذلك قد حل المشكلة بين أهله وزوجته خاصة فيما لو كان السكن متقارباً.

لا تحاولي أن تحلي مشكلتك مع والد زوجك أو والدته لأن تطلبي عدم دخولهما إلى بيتك مطلقاً، فإن هذا الأمر سيعقد المشكلة؛ لأن الزوج سيصل إلى أن يخيّر بين أهله وزوجته وهذان خياران أحلاهما مرّاً، فطبيعي أنه سيختار والديه بكل طيبة خاطر مع أنه قد يكون غير قادر على ترك زوجته، ولكن إذا وقف الأمر بين خيارين أحلاهما مرٌّ فإنه من الطبيعي أن يختار المرّ على الأمرّ، وفي هذه الحالة تكون الزوجة قد جنت على نفسها، فلو أن هذه المرأة التي ساء لها حماها بكلمة وأجابته: "سامحك الله أنت مثل والدي، وما تريد تفعله فافعله، فأنا مثل ابنتك" وسكتت عند هذا الحد، فإنه في مثل هذه الحالة عندما يرى الأب هذا الرقي في الدفاع عن النفس من الزوجة باسلوب "ادفع بالتي هي أحسن" نجد أن غلواءه وعصبيته سوف تخف، وعندما يأتي الزوج من العمل تخبره فقط ليعرف كيف يتصرف عندما يخبره والده، لأنه لا عزوة له بلا أهله وإذا أراد أن يخبر والده بطريقة فلتكن بطريقة لا تسبب المشاكل، فبهذه الحالة الزوج الموضوعي يذهب لوالده وينتظر أن يخبره بنفسه؛ لأنه لو علم الأب أن كنته اشتكت لولده فسوف يجن جنونه ويقول: "من تظن نفسها حتى تشتكي علي عند ابني" وعندما يخبره والده عن المشكلة يقول لوالده: إنه يجب أن نبحث عن طريقة فيها مشكالنا، فأرجوك يا أبي إذا ما كان لك شيء على زوجتي أخبرني بها وأنا أتصرف، ولن تكون إلا مسروراً بالنهاية لك صدر البيت والعتبة لنا، فيتحول الزوج إلى واسطة خير بين الأب والزوجة، فتنحل المشكلة ولا يعود من داعٍ يتدخل الأهل في حياة أولادهم.

تعامل الزوجين مع تدخلات أهل الزوجة في هذا الخصوص لا يختلف الأمر كثيراً، وبشكل عام أم الزوجة هي التي تتدخل؛ لأنها هي أكثر إلصاقاً بابنتها وتراها أكثر الأمر الذي يكون مدعاة للتدخل في كثير من التفاصيل، فإذا بها تطالب الزوج بما تراه مصلحة ويعتبر هو أن هذا تدخل غير مبرر، وقد ينعكس الأمر سلباً على زوجته ويصل الأمر نتيجة هذا التدخل إلى ما لا تحمد عقباه في مقام المساعدة على الحل؛ نقول الأمهات الزوجات إنه ليس هكذا تحل قضايا ابنتكم إذا كانت معذبة أو مقهورة أو كان زوجها لا يعاملها معاملة حسنة، فيجب التكلم مع ابنتكم في كيفية حل المشكلة مع زوجها، ولكن لا تذهبوا للزوج وتطالبوه، فكما قلنا للزوجة ألاّ تطالبي أهل زوجك بل تحدثي مع زوجك. كذلك أهل الزوجة لا يجب أن يتحدثوا مباشرة مع الزوج، بل يتكلموا مع ابنتهم، إلا أنه يوجد هنا إختلاف صغير بين مسألة الزوج والزوجة، فالزوج ملك أمر بيته ونعني بذلك أنه هو الذي بأغلب الأحيان يعمل ويدير شؤون المنزل وتقوم الزوجة بالرعاية، فهو أملُك في بيته في حين أن الزوجة إذا طلب منها أهلها أن تنفذ أمراً في بيتها فإنها لا تستطيع فرض ذلك على زوجها، وإن زوجها قد لا يكون قادراً على تنفيذه يعني أن صهرهم لا يجيب ابنتهم، فقد تكون عدم الإستجابة ناتجة عن عدم توفر المال، وإذا كان بأمور العلاقة بينهما بأن كان لا يعاملها بأخلاق حسنة مع الأهل.

فلذلك لابد أن يكون تدخل الأهل على أساس ألاّ يكون الكلام الصادر منهم مأخوذاً من طرف هو الكلام النهائي والأخير، بل لابد أن يستمعوا إلى طرف آخر في هذا الموضوع.

في الخلاصة نحن نقول لأهل الزوج وأهل الزوجة، الأفضل ألاّ تتدخلوا وأن تكونوا مراقبين عن بعد، فإذا ما وجدتم أن خللاً موجوداً في حياة ابنكم أو ابنتكم فلتكن نظرتكم إلى هذا الخلل نظرة عادلة وموضوعية ولتستمعوا إلى الطرفين، ولتكونوا كالإطفائي الذي يبادر إلى إطفاء الحريق هنا وهناك؛ كي لا تنتشر فيحرق إرجاء البيت، حاولوا أن تتحلوا بالموضوعية وأن تكونوا على الحياد مصداقاً لقوله  تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

فلتكونوا على حياد واقتصروا بالتدخل على الأمور المفصلية الحساسة، وليعلم أهل الزوج أن ابنهم أصبح رجلاً يمتلك أن يقرر عن نفسه ويمتلك أن يقول لا ونعم، اتركوه يجرب ويخطئ ويتعلم من خطئه، ولكن لا تتدخلوا معه إلا وقت الحاجة في الأمور المفصلية كما قلنا.

ولأهل الزوجة: ابنتكم سعادتها مع زوجها وعودتها إليكم لن يُحل مشكلة، بل سيضيف مشكلة إلى مشكلتها فلتحافظوا على العلاقة الزوجية واتركوا ابنتكم تحل مشاكلها، ولا تتدخلوا إلا في الحالة القصوى التي تستدعي التدخل في الأمور المفصلية أيضاً.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة- الحلقة الثانية عشرة - الدورة البرامجية32.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا