خير ما نبدأ به قول أمير المؤمنين
(عليه السلام)، أنه قال: "علّموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا
بلغوا الحلم".
وينبغي التنبه هنا إلى تعليم الصلاة
في هذا العمر تم تمييزه في الرواية عن عمر البلوغ، فبعد البلوغ يؤخذ
بها وهذه عبارة تدل على إلزاميتها وعدم إمكان التراخي فيها، ولكنه
قبل ذلك يتعلمها، وهذا يشير إلى أن تعليمه في هذه السن ينبغي أن
يكون بالرفق واللين.
وشدَّد أهل البيت(عليهم السلام) على
تعليم الأولاد الصلاة، وفي بعض الروايات أنّ الصبيّ يؤمر بالصلاة
ابن تسع سنين، ويؤخذ بها إذا بلغ الحلم.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام):
"يُثْغَرُ الغلام لسبع سنين، ويُؤْمَرُ بالصلاة
لتسع".
بل في بعض الروايات أنّ الأمر
بالصلاة يبتدئ من السنّ السابعة من عمر الولد، فعن الإمام الكاظم عن
آبائه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مُروا صبيانكم
بالصلاة، إذا بلغوا سبع سنين...".
وتخفيفاً عن الأولاد، وحتى لا
يشعروا بثقل الصلاة عليهم أرشد الإمام الصادق عليه السلام إلى أمر
الصبيان بالجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء،
لأنّ الجمع بينهما جائز بنفسه من ناحية، ويخفِّف عنهم من ناحية
أخرى، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّا نأمر الصبيان أن يجمعوا
بين الصلاتين الأولى (أي الظهر) والعصر، وبين المغرب والعشاء الآخرة
ما داموا على وضوء قبل أن يشتغلوا".
وهكذا كان يفعل الإمام زين العابدين
الذي ورد أنّه عليه السلام كان يأخذ من عنده من الصبيان بأن يصلّوا
الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في
ذلك، فقال عليه السلام: "هو أخفّ عليهم، وأجدر أن يسارعوا إليها،
ولا يضيِّعوها، ولا يناموا عنها، ولا يشتغلوا"، وكان لا يأخذهم بغير
الصلاة المكتوبة ، (أي لا يأخذهم بالصلاة المستحبّة).
اختي الام لقد حثَّت أحاديث أهل
البيت (عليهم السلام) على تعليم الأولاد القرآن الكريم، في هذا
السن وبيّنت الثواب الجزيل للأبوين اللّذين كانا سبباً في
تعليمه كتاب الله العزيز. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من قبَّل
ولده كان له حسنة، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة، ومن علَّمه
القرآن دعي الأبوان فكُسيا حُلّتين يضيء من نورهما وجوه أهل
الجنّة".. والقرآن هو دستور الحياة ونور القلوب، وهو الكفيل بتأمين
المساعدة لمن يعي مقاصده ويلتزم بأحكامه، وحيث إن الولد أقدر على
حفظ القرآن الكريم من الكهول والآباء، فمن المهم للأهل أن يرشدوا
الأولاد إلى حفظ القرآن وتعلم أحكامه ومعانيه.
ولقد أعطى أهل البيت ( عليهم السلام
) لتعلم القرآن أولوية خاصة ، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام ،
ذلك العلم الذي يمكنه من أن يكون مسلماً يؤدي فرائض الله المطلوبة
منه .
وللتدليل على ذلك نجد أن من وصايا
أمير المؤمنين لابنه الحسن ( عليهما السلام ) : ( اِبتدأتُك
بِتَعليمِ كِتَاب اللهِ عزَّ وَجَلَّ وتأويلِه ، وشَرائِعِ الإسلامِ
وأحْكَامِه، وحَلالِهِ وحَرامِه ، لا أجَاوزُ ذَلكَ بِكَ إلى غَيره
) .
ووجَّهت روايات أهل العصمة نحو
تعليم الفتاة سورة النور لما تتضمَّن من معان جليلة في موضوع المرأة
في الإسلام، كما نهت عن تعليمها سورة يوسف، ولعلّه من أجل أن لا
يتفتَّح ذهن الفتاة على استماع أجواء المجتمع النسائي المنحرف الذي
عانى منه نبيُّ الله يوسف عليه السلام ففي الحديث عن النبيّ (صلى
الله عليه وآله وسلم): "حقّ الولد على والده... إذا كانت أنثى أن...
يعلِّمها سورة النور ولا يعلمها سورة يوسف".
وأيضاً لقد ركز الشارع المقدس-
تعليم الأحاديث الشريفة للاولاد.
أي أحاديث الرسول الأكرم محمد، وأهل
بيته(صلوات الله عليهم اجمعين)، ولابد من أن يراعى في اختيار الحديث
أن يحتوي على المضامين الصحيحة وغير
الملتبسة، وهناك نقطة
جوهرية كانت مثار اهتمام الأئمة ( عليهم السلام )، وهي ضرورة تحصين
عُقول الناشئة من الاتجاهات والتيَّارات الفكرية المنحرفة من خِلال
تعليمهم علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) واطِّلاعِهم على أحاديثهم
، وما تَتضمَّنه من بحرٍ زاخر بالعلوم
والمعارف، وليحذر على
الولد في هذا العمر من أي تيارات منحرفة، فإن الولد سهل الاقتناع
بما يقال له عادة، وحول هذه النقطة بالذات ، يقول الإمام علي ( عليه
السلام ): (عَلِّمُوا
صِبْيَانَكم من عِلْمِنَا ما يَنفَعُهم الله بِه لا تغلبُ عَلَيهم
المرجِئة برأيها).
اذ أمر أئمّة أهل البيت(عليهم
السلام) الآباء بالمبادرة إلى تعليم أولادهم عقائد الإسلام الصحيحة،
وذلك قبل أن يسمعوا بعض الشبهات المضلَّة التي قد يكون لها مأخذ في
أنفسهم حينما لا يعرفون جوابها، لا سيما في المجتمع الذي تثار حوله
شبهات عقائديّة وأفكار منحرفة عن جادّة الحقّ، فلا بدّ من تحصين
الأبناء قبل أن يواجهوه، وفي هذا الصدد ورد عن الإمام الصادق عليه
السلام: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليه
المرجئة).
وفي الختام نقول هدانا الله واياكم
الى جادة الصواب ووفقنا لما فيه الخير والصلاح لنا ولفلذات أكبادنا،
قلوبنا التي تمشي على الأرض وكفانا الله شر الأشرار وكيد
الفجّار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج حنايا القلب -
الحلقة التاسعة - الدورة البرامجية34.
ضرورة الرجوع لأهل البيت (عليهم السلام)