أختي الكريمة إن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة ـ في الواقع الحياتي ـ ضرورة يقتضيها وجود الإنسان واستمرارية بقائه على هذه الأرض، إذ لولا تلك العلاقة التي تضمن التوالد المحقّق لامتداد الوجود، لانعدم هذا الوجود في مراحله الأولى ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ...) المؤمنون/ 27.
لابد لهذه العلاقة ـ فيما يختص بالإنسان ـ من تشريعٍ ينظّم هذا الوجود ، ويضبط الروابط الممتدة بين طرفيه ، ويشدّها ليجعلها تعيش حالة الاستقرار والتناسب، فتتحول هذه الحياة إلى واحة محبة وانسجام وسلام، لذلك اهتم الإسلام ـ بل كل تشريعات السماء بتشريع الضوابط التي تحكم هذا الواقعـ فشرَّع تفصيلات العلاقة ورسم الحدود التي تحفظ التوازنات ، لتكون في المستوى السليم المطلوب ، وتحقق الجو الأصفى لها .
(هُوَ الّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ...). الأعراف/189.
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدّةً وَرَحْمَةً...) الروم / 21، أي يحقق الراحة والطمأنينة والاستقرار . من خلال مسألة الحب والمودة التي أقامها بينهما.. وهو الهدف الذي يتوخّاه الإنسان من خلال الرباط الزوجي الذي يعتبر أهم مكوّنات السعادة الحياتية لهذا الإنسان، هل القوامة تحكّم سلطوي؟
وهنا نقف أمام مفهوم القوامة الذي يطرحه القرآن ليمكن تحديد الدور المطلوب من كل من الراعي والرعية، وفي قوله تعالى:( الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ ).. إنما هو من قولهم: قمت بأمرك فكان ـ والله اعلم ـ الرجال متكفّلين بأمور النساء، معنيين بشؤونهن)، فالقوامة إذاً تمثّل تحمّل مسؤولية الإنفاق على المرأة، وتكفُّل ما تحتاج إليه من ضروريات المعاش وكمالياته المتعارفة لمثلها، ورعاية واقع المتطلبات الزوجية في ما يتعلق بخصوصياتها التي لابدّ لها من الالتزام بحدودها الطبيعية، بدون تجاوز إطارهاالخاص، ويدخل ضمن ذلك التزام البيت الزوجي ، وتعريض البيت لتعديات الآخرين، أما في ما عدا ذلك ، فهو مما لا تفرضه الآية، (كما في مثل خدمات المهمات المنزلية، في الداخل فضلاً عن الخارج) وذلك هو ما تسالم عليهعلماء المسلمين كحكم تشريعي ، من هنا لا مجال لاعتبار أن معنى القوامة هو سلب إرادة الزوجة ، وقهرها أمام القيم عليها ، بل الملحوظ أن الإسلام أعطاها حريتها في تحقيق ما تريد وتحب ، مما لا يتنافى مع الحق الزوجي الخاص، كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة).
وجاء عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في رسالة الحقوق: (وأما حق الزوجة.. فأن تعلم أنّ الله عز وجلّ جعلها لك سكناً وأنساً .. فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها).
كما تحدثت الروايات عن الحثّ على تعاون الرجل معها في الخدمات المنزلية، حيث ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ( لا يخدم العيال إلاّ صدّيق ، أو شهيد، أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة )، وقد مارست الرموز الأولى في الإسلام ذلك المنهج عملياً، فسيرة علي والزهراء (عليهما السلام) تحدثنا عن تقاسمهما الخدمات المنزلية، وتحدثنا عن ضرورة التوسعة على العيال.
كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إن المؤمن يأخذ بأدب الله، إذا وسَّع عليه اتسع).
التعامل بالمعروف.. منهج المؤمنين:
فمن خلال هذه الروايات والكثير
الكثير من أمثالها الواردة عن مبلّغ الشريعة الأول (صلى الله عليه
وآله وسلم) وآله الأطهار (عليهم السلام) نلاحظ شدة تركيز الإسلام
على احترام المرأة والرفق بها، وحسن معاشرتها، فكما يطلب منها تقديم
ذلك لزوجها، فإنه يطلب منه ذلك إذ هي مثله في هذا المجال وإن كان
يتقدمها بدرجة واحدة هي درجة القوامة والمسؤولية، كما تحدث القرآن:
(... وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ ...) البقرة / 228، مما يوحي
باستحقاقها ذلك الرفق،
وتحريم القسوة عليها في التعامل فضلاً عن الضرب والإيذاء،
فإنسانيتها مصانة، لابدّ أن تُعامل من خلالها، كشريك في دور البناء
المتين للبيت العائلي، بكل تفرّعاته، وقد شدّد الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) فيما يروى عنه على التنديد بضربها باليد التي
يعانقها بها الزوج.
لقد نهى الإسلام في تعليماته عن
الإساءة إليها من خلال ضربها، وشتمها، وإهانتها، والإعراض عنها، حين
لا يكون هناك موجب مشروع لذلك، من أمر بمعروف واجب أو نهي عن منكر
محرّم، ومن تحديها لمهمات العلاقة الزوجية الخاصة، وجعل الإساءة
إليها ظلماً مرفوض الحدوث، بل جعله مبرراً مشروعاً لهربها من البيت
الزوجي، حين يكون ضرورياً أو حرجياً شديداً غير مقبول عرفاً، ولا
تعتبر ناشزاً بذلك، بل تبقى على استحقاقها للنفقة مع هذا الخروج،
فالإسلام أعطى كل إنسانٍ حقاً في الدفاع عن النفس لرفع الظلم، شرط
أن يكون ظلماً وتجاوزاً كبيراً للحدود التي رسمها التشريع.
لقد خطط الإسلام وعمل من أجل حفظ واقع التعامل في البيت الزوجي بالنحو الذي يعطي الموقع قوةً وحركية وسلاماً، فلا يعيش أي طرف فيه مشاعر الذل والقهر والعبودية، بل يحمل في داخله شعار المحبة العاملة في إيجاد واقع الطمأنينة والاستقرار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج العائلة السعيدة -
الحلقة الثانية عشرة - الدورة البرامجية 34
الذكاء الاصطناعي ليس حافظاً للأسرار!
في رحاب السَّيِّدة المعصومة (عليها السلام)