هناك سؤال يجول في خاطر كل أب مهتم، هل لفارق العمر بين الأبوين والأبناء تأثير في صميم العلاقة والانفتاح فيما بينهم، وهل هناك حل لتجاوز آثار هذا الفارق؟
الجواب عن هذا السؤال هو: إن للفارق في العمر تأثيرًا على العلاقة بين أي شخصين، صديقين كانا أم زوجين، بين أب وابن أو أم وبنت، ولعل التأثير يتعاظم في حالة الأب، لاسيما في المجتمعات الشرقية التي تكون فيها للأب مكانة خاصة وسلطة إضافية، فالأب يتعامل مع الأب بنظرة علوية والابن يكون عادة في موضوع المحكوم والتابع، وتقلّ بذلك فرص التفاهم وتبادل وجهات النظر وتعاطي الأفكار بينهما؛ ولكن في كل العلاقات التي ذكرناها فإنه يمكن تجاوز آثار الفاصل العمري أو التقليل منها ببعض الحكمة والمرونة في التعامل من كلا الطرفين.
فإذا أراد الأب مثلًا أن يكون قريبًا إلى ولده البالغ أو الراشد، فعليه أن يتفهم أولًا طبيعة السن التي يمر بها الولد ونمط تفكيره واهتماماته واللغة التي يستسيغها ويتعامل بها، وبذلك يحاول الأب أن يكون قريبًا من ولده ويكلمه بمقدار عقله ويشاطره همومه ويشاركه اهتماماته الحياتية؛ ليكون له أبًا وصديقًا و رفيقًا في آن واحد، ولعل خير دليل في ذلك الحديث المأثور: (من كان له صبي فليتصابَ له)، لذلك يمكن للأب أن يتبادل الحديث بود مع ولده، و ربما يقضي شطرًا من أوقات فراغه معه في مشاهدة التلفاز أو الرياضة واللعب، ومن ثم فإنه يتعامل مع ولده بمنظار الأب الودود من جهة وبمنظار الصديق الوفي له.
ومن هذا المشهد فإنه يمرر لولده -البالغ أو الراشد- الملاحظات والنصائح بزاوية تقترب من الحالة الأفقية؛ ليتلقاها ابنه وصديقه برحابة صدر وبعقل وقلب منفتحين، دون أن يحس بجرح في كرامته أو مس بشخصيته.
أما إذا كان الأولاد دون سن البلوغ أو الرشد فإن زاوية التعامل تزداد؛ لتكون قريبًا من الأمر ولكنه أمر ودي ومبرر وحكيم، دون تعسف واضطهاد، مع الاقتراب دومًا من عقل الولد وقلبه، وللأطفال دون السابعة وضع آخر، فإن هؤلاء يتلقون السلوك عادة بواسطة التأييد والتقليد لآبائهم، فعلى الآباء أن يكونوا منضبطين في سلوكهم وانفعالاتهم، حريصين على الظهور بالمستوى اللائق، حتى لا يتلقى الطفل منهم إلا العمل الحسن ولا يحفظ في ذاكرته عنهما ومنهما إلا السلوكيات الهادئة واللطيفة، فإن الطفل في تلك السنين أكثر حساسية وأشد ملاحظة من غيرها، وفي هذه الفترة أيضًا ينبغي أن يقترب الوالد إلى ولده بالمحبة والمودة ويشاطره اللعب واللهو، حتى يكسب وده ويحصل منه على مراده من السلوك الجيد، وطبيعي أن لذلك آثارًا إيجابية على الوالد و روحيته أيضًا.
أما الولد الذي بينه وبين والده فارق كبير في العمر ويحس بوجود هوة وفاصلة بينهما، فإنه يمكنه أيضًا أن يعمل لتقريب المسافة، من خلال احترامه والتودد إليه أولًا، ومن خلال حسن الإنصات إليه ومشاطرته الحديث عن تجاربه وأيام شبابه ودراسته وكفاحه في الحياة، أو عن أي موضوع يحبه الوالد الحديث عنه أو يهتم به، فإن ذلك سيجعل الوالد ينشرح لولده ويستمع إليه وتقل المسافة بينهما، ويمكن للولد أن يتفنن في طرح رأيه على والده، مع حفظ الأدب وبعض من اللباقة، فيمكن أن يضمن فكرته سؤالًا، أو بعنوان المشورة وأخذ النصيحة، أو بعنوان فكرة سمعها أو قرأها، أو أن يكتب موضوعًا ويعرضه على والده لقراءته وإبداء الرأي فيه، تدريجيًا سيجد الوالد أن ابنه قد كبر وأصبح عاقلًا رشيدًا يمكن الاعتماد عليه والاستماع إلى رأيه.
ومن المفيد أيضاً مرافقة الوالد في
المناسبات الاجتماعية والذهاب معه إلى المسجد لأداء الصلاة والتعرف
إلى أصدقائه والجلوس معهم مستمعًا غالبًا ومشاركًا أحيانًا، وكل ذلك
سيجعل الوالد يأنس بولده ويألفه ويتخذه رفيقًا وصديقًا، وسيجد نفسه
لا يستغني عن ولده ويود مرافقته، وطبيعي أن ذلك يعني مد جسر المودة
والسلام بينهما وهو باب ينفتح منه كل خير لهما وللأسرة ويمكن أن
يسهم في حل الكثير من المشاكل وإزالة العقبات، والله الموفق لكل
خير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: همسة أبوية - الحلقة
الخامسة - الدورة البرامجية 32
كيفية التقليل من إدمان الهاتف الذكي؟!
المرأة بين الزيف والضياع.. فما الحل؟!