يعتبر موضوع الوراثة من المواضيع الحياتية الجديرة بالاهتمام، ونعني بالوراثة هنا جميع أصنافها ومميزاتها، المحسوس والملموس منها، والمتغير وغير قابل للتغيير..
فبعض القضايا الوراثية قد لا تقبل التغيير، كالطول والقِصَر والنظر وضعف العقل..
فالطفل المجنون الذي يولد من أبوين مجنونين، قد يظل مجنوناً مدى الحياة، أو أحمقاً بليداً، وقد لا تؤثر فيه الأساليب التربوية..
وفي هذا الصدد يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «الحمق داء لا يداوى ومرض لا يبرأ» (غرر الحكم: ص219).

وهناك أمراض ممكن أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء كاستعداد فقط مثل السل، فالطفل الذي يولد من أبوين مصابين بمرض من هذا القبيل، قد يلازمه المرض إذا تربى في حجرهما، أمّا إذا خضع لمراقبة طبية دقيقة في بيئة صحية جيدة، فبإمكانه أن يعيش متمتعاً بصحة وعافية مدى الحياة..

بالمقابل، قد يورّث بعض الآباء لأبنائهم بيتاً أو عقاراً أو مالاً، وقد يورّث البعض ديناً أو هماً أو غماً، ولكن بعض الحالات النفسية والملكات الصالحة والطالحة للآباء والأمهات، قد تؤثر في الأطفال وهكذا..
فالشجاعة والجبن والكرم والبخل، وغيرها من الصفات المختلفة، تكون تربة مساعدة للصلاح أو الفساد في سلوك الطفل..
ولكن هذه الصفات ليست قدراً حتمياً بل يمكن إصلاح الفساد بالطرق التربوية الصالحة، وعلى العكس، تبديل التربة المساعدة للصلاح إلى الفساد بالطرق التربوية الفاسدة..

أجل، إنّ هذه الصفات ليست قدراً حتمياً.. كدقات القلب، أو دوران الدم في الجسم، أو التنفس، لأن جانباً من القضاء والقدر تابع لإرادتنا واختيارنا، فإذا استطعنا أن نستغله استغلالاً حسناً، تكون النتيجة حسنةً والعكس صحيح أيضاً، ومما لا يقبل الشك أنّ العالم كلّه يُدار بواسطة القضاء والقدر، ويعني ذلك أنّ الأمور التي ترتبط بالإنسان خاضعة للقضاء والقدر أيضاً، باعتبار أنّ الإنسان جزء من هذا الكون الذي تحكمه السنن الالهية.. لكن الإنسان له تمام الاختيار في سلوك طريق الخير أو طريق الشر.. فإذا سلك أحدهما وصل إلى نتيجته، وهو المسؤول عنها لا غيره وليس القضاء والقدر..

لذلك فإنّ برنامج التربية السليم للأبناء، يبدأ من حسن الاختيار حين الزواج، والالتصاق بالأسر السوية الطاهرة والمهذبة.. ثم المراقبة المستمرة، والبيئة الجيدة، واتباع الطرق التربوية الصالحة، وحسن التصرف بما منحه الله سبحانه وتعالى، من حرية وطاقات كامنة وعقل وذكاء.. ومجاراة السنن الإلهية وعدم الاصطدام بها.

___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 701.