عبر التاريخ، لم يكن صوت المستضعفين يوماً خافتاً، بل ظل يرتفع في لحظات الشدة والانكسار، متوسلاً الرحمة الإلهية، باحثاً عن منقذٍ يواسي الجراح ويقيم العدل..
وتجلّت هذه الصورة في أبهى معانيها في كتاب الله العزيز، حيث عكست قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) مشاهد عميقة من الضعف البشري، والأمل الرباني، والمصير الإلهي العادل. ومن هذه القصة العظيمة، نستقي مشهداً خاصاً يحمل دلالات روحية واجتماعية كبيرة، نستحضره اليوم في زمن الغَيبة الكبرى، حيث تنتظر القلوب المؤمنة فرجَ الله على يد وليّه الإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه).
حينما يقف الإخوة بين يدي عزيز مصر، متوسلين خاضعين، قائلين: ﴿يا أيُّها العَزِيزُ مَسَّنا وأهْلَنا الضُّرُّ وجِئنا بِبضاعَةٍ مُّزْجاةٍ فَأوْفِ لَنا الكَيْلَ وتَصَدَّقْ عَلَيْنا﴾ (يوسف: 88)، تتجلى صورة الضعف والحاجة التي تعكس حال المستضعفين عبر التاريخ، أولئك الذين يتوجهون بأنظارهم إلى رحمة الله في لحظات العسر، ويرفعون أكفَّهم طلباً للخلاص.
إنّ هذا النداء المستوحى من الآية لا يُقرأ مجرد حوار عابر، بل رمزاً لصرخة الإنسانية ونداء المنتظرين في زمن الغَيبة، الذين يتوسلون إلى الله بوليِّه صاحب الزمان (عجّل اللهُ فرَجَه)، طالبين الفرج والعدل والرحمة.
ولقد مثّلت حالة أبناء يعقوب (عليه السلام) وهم يقفون بين يدي العزيز صورة للبشرية وهي تتوسل رحمة الله عبر وليِّه في الأرض. لقد كانت بضاعتهم (مزجاة)، أي: قليلة وضعيفة لا تكفي، كما أنّ أعمال الإنسان في زمن الغَيبة مهما بلغت تظل قاصرة أمام عظمة الحق الإلهي، لكنها تبقى مفتاحاً للرجاء، لأنّ رحمة الله لا تتوقف عند حدود الاستحقاق الظاهري، بل تشمل كلّ مَن طرق بابها بصدقٍ وإخلاص.
وهكذا، فإنّ التوسل بالإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه) ليس مجرد طلبٍ لحاجة مادية، بل هو سعيٌ نحو التكامل الروحي.. نحو العدل الإلهي الذي غاب عن العالم، كما غاب نبي الله يوسف (عليه السلام) عن إخوته.
وكما أنّ نبي الله يوسف (عليه السلام) -مع غَيبته عنهم- كان يرعى شؤون مصر ويدبّر أمر الناس بحكمة ورحمة، فإنّ الإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه) هو عين الله في أرضه، يدبر الأمر وإنْ حجبه اللهُ تعالى عن أعين البشر.