سيرة المصلحين ما كانت لتكون، وآل الحسين (عليهم السلام) ما كانوا ليسطّروا أروع البطولات ويقفوا في وجه العتاة والطغاة والظالمين، لو لم يكن هناك إعداد بمستوى الآلام والآمال، والطموحات والأهداف..
السيدة زينب (عليها السلام) امرأة
جليلة القدر عزيزة الشأن تربّت في بيت النبوة والإمامة والعصمة،
أُدخلت قسراً في مجلس ابن زياد، وهناك رأت رأس أخيها الحسين (عليه
السلام) بين يدي ابن زياد فخاطبها اللّعين: «الْحَمْدُ لله الَّذِي
فَضَحَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ»
وعلى الفور أجابته: «إِنَّمَا
يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَاجِرُ وَهُوَ
غَيْرُنَا»
فقال لها ابن زياد: كَيْفَ رَأَيْتِ
صُنْعَ الله بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟
فأجابت: «مَا رَأَيْتُ إِلا
جَمِيلاً، هَؤُلاَءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ
فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ
يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَة».
وفي مجلس الحُكم في عاصمة الأمويين وأمام مرأى ومسمع أركان الحُكم وعلى رأسهم يزيد خاطبته قائلة: «فَكِدْ كَيْدَكَ وَاسْعَ سَعْيَكَ وَنَاصِبْ جُهْدَكَ، فَوَالله لاَ تَمْحُو ذِكْرَنَا وَلاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا وَلاَ تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا، وَهَلْ رَأْيُكَ إِلاَّ فَنَدٌ وَأَيَّامُكَ إِلاَّ عَدَدٌ وَجَمْعُكَ إِلاَّ بَدَدٌ، يَوْمَ يُنَادِي الْـمُنَادِي أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ، فَالْـحَمْدُ لله الَّذِي خَتَمَ لأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ وَلآخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُكْمِلَ لَـهُمُ الثَّوَابَ وَيُوجِبَ لَهُمُ الْمَزِيدَ وَيُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلاَفَةَ، إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل».
ومَن كان معها (عليها السلام) كانوا
على هذه الشاكلة، مع اختلاف في المقامات وما يتبعها من قدرات
ومواهب، بل وحتى الأطفال فلقد أبلوا بلاءً حسناً يتناسب والتحديات
الكبرى التي مرّت عليهم في رحلة الإذلال والعناء، وهذا يعني أن
الجميع قد تخرّج من مدرسة تربوية استوعب فيها الأهداف العالية لحركة
الأنبياء والمسؤولية الفردية والجمعية في تحقيق تلك الأهداف
وتجسيدها على أرض الواقع..
ولكم أن تلاحظوا سلوك المجموع بغضّ
النظر عن أنسابهم وعن أعمارهم وعن أجناسهم، فإنكم لن تجدوا إلا
الإباء والكرامة والإيثار والإخلاص والتسليم والطاعة.. وكل الفضائل
والخصال الحميدة متجسّدة فيهم..
ألم ترَوا أن وفاء العباس (عليه
السلام) في امتناعه عن شرب الماء جسّدته تلك الطفلة حينما حصلت على
شربة من الماء فراحت تهرول نحو المعركة تريد أن تقدّم الماء لنحر
الحسين (عليه السلام).
___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون
الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد
941.
الشيح محمد حسن