أحسن القصص
2023/04/17
236

قال تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلون}...
إن الإكثار من القصة غير جيد، إلا في محله... ولكن القرآن الكريم يقول: أنقل لكم قصة... وكلمة القصة، تذكرنا بكلمة "قصاص الأثر"، والذي يريد أن يقتص الأثر يريد أن يصل إلى نتيجة، أو إلى شخصية: إما مرغوب بها، أو مغضوب عليها... فالقصة إذا كانت من هذا القبيل، لأجل أن نصل إلى هدف تربوي؛ فهذه قصة حكيمة.
فإذن، لا مانع من أن يذكر الإنسان كلاما قد يكون قصة، ولكن يريد أن يصل من وراء ذلك إلى نتيجة، فكل كلمة يقولها المؤمن، لا بد وأن يبتغي من وراء هذه الكلمة: إما نفعا دنيويا، أو نفعا أخرويا... كل كلام يقوله الإنسان ليس فيه نفع لا لدنياه ولا لآخرته، ولا لدنيا المخاطب ولا لآخرته؛ فإن يوم القيامة هذا المخاطب من الممكن أن يخاصمه، لأنه جاء إلى بيته، وأعطاه من وقته، وهو أحرجه بكلام لا نفع فيه... فكيف إذا كان الكلام فيه مضرة؟...
{إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}:
أنظروا أخواتي إلى علاقة الابن بأبيه؛ هذه علاقة نموذجية!... رأى مناما، فذهب إلى أقرب الناس إليه، ليتكلم معه حول هذا المنام... عندما تكون العلاقة جيدة بين الأب وولده، هكذا يكون الأمر!... {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت}، كان بإمكانه أن يقول: يا رسول الله!... فكل نبي هو رسول الله، كان من الممكن أن يقول: يا وارث علم جدنا إبراهيم!... ولكنه قال: {يا أبت}!... فالمؤمن يقدم طلبه في إطار عاطفي، وخاصة في طلب العلم...
{إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}:

كلمة "الساجدين" تطلق على ذوي العقول، ولا تستعمل للكواكب... وحسب بعض التفاسير: الشمس تشير إلى يعقوب، والقمر زوجته، وهذه الكواكب هم أولاد يعقوب... رغم أن أولاد يعقوب ما قاموا بعمل جيد، بل قاموا بعمل في غاية السوء والانحراف: فقد هموا بقتل يوسف (ع)؛ ولكن الأمور بخواتيمها!... فهم ألقوا يوسف في بئر عميق، والذي يسقط في هذه البئر من الطبيعي أن يموت... ومحاولة قتل من؟... قتل نبي من أنبياء الله- عز وجل- يا لها من جريمة!... ولكن انظروا إلى الاعتذار، سيأتي في سورة يوسف، أنهم ذهبوا إلى يوسف وقالوا تلك العبارة المعروفة: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين}،وإذا بيوسف "عليه السلام" يقول: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}...
فهل رب العالمين رحمته أوسع، أم رحمة يوسف؟... يوسف "عليه السلام" بشر، وقد ارتكب في حقه جريمة، ولكن بكلمة واحدة أصلحوا أمرهم مع أبيهم... وكذلك بالنسبة لنا أخواتي نحن العصاة الغرقى في المعاصي، بإمكاننا في ليلة من الليالي أن نخاطب رب العالمين، نقول: يا رب!... عفوك!... عفوك!... عفوك!... انتهى الأمر!...
{ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكنتم الله شاكرا عليما}؛ فرب العالمين غني عنا وعن عذابنا، فطوبى لمن يعود إلى ربه حتى لو كان ظهره مثقلا بأنواع الذنوب!...
{قال يا بني لا تقصي رؤياك على إخوتك فيكيدون لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}؛ نبي الله يعقوب (عليه السلام) هو نبي من أنبياء الله عز وجل، حاشا له أن يغتاب أحدا!... ولكن في مقام المشورة، على الإنسان أن يتقن النصيحة!... فيعقوب- عليه السلام- يحذر يوسف من كيد سيقع، أو ربما سيقع؛ ولكن قبل وقوع الواقعة، يحذر ولده يوسف...
فالإنسان لا ينتظر الجريمة حتى تقع، لا ينتظر إلى أن يذهب ابنه في أحضان الرذيلة وغيرها من المفاسد، ثم يحذره من فلان وفلان!... بل عليه أن يحذره قبل أن يصبح فريسة للغير، أنظروااخواتي إلى بيان نبي الله يعقوب، بيان رزين ثقيل يقول: {لا تقص رؤياك على إخوتك}؛ لأن هؤلاء فيهم خاصية الحسد، فالنبي ينظر بعين الله عز وجل...
فإذن إن الدرس العملي الذي يستفاد من هذه الآية: هو تحذير الأبناء من الأخطار المستقبلية.
والتحذير دون التلفظ بكلام فيه فحش، أو تعدٍ، وسياسة الدفع قبل الرفع
إن النبي يعقوب- عليه السلام- يقول لابنه يوسف- عليه السلام-: {لا تقصص رؤياك فيكيدون لك كيدا}!...
أي أن الإنسان المؤمن لا يقدم على عمل يثير عقوق الوالدين، أو غضب الأخوة، أو عقوق الأولاد... فبعض الآباء يشتكون من أولادهم، صحيحا أن الولد عاق مشاكس، ولكن الأب عندما يضرب هذا الولد؛ فإنه سيخرج من البيت، وعندئذ لا يصبح هذا البيت سكنا له، فيذهب إلى كل زاوية مظلمة.
نستخلص من هذا أنه أن يكون الإنسان من عائلة مؤمنة، ومن ذرية صالحة؛ هذا لا يكفي... لأن الشيطان بالمرصاد، وهذا واضح في القرآن الكريم: {إن الشيطان للإنسان عدو مبين}، فعداوة الشيطان لبني آدم عداوة واضحة جدا... ونحن- مع الأسف- ما تعرفنا على دور الشيطان ولا كيده.
ونجد أن البعض قد يقول: الحمد لله في شهر رمضان نحن في راحة، الشياطين مغلولة... أولا الشياطين مغلولة، قد يكون بمعنى أن الشياطين في شهر رمضان، ليست لها حرية التحرك، ولكن في شهر شعبان شحن الإنسان بما فيهِ الكفاية.. الشيطان يدهُ مغلولة، إذ يكفي وجود الهوى، عندها لا داعي لوجود الشيطان معنا في كُلِّ ساعة، فهو ربى وليدا حقيرا صغيرا في وجودنا 
فماذا نصنع؟
ليس لنا إلا أن نستجير بالله عز وجل، فالإنسان ضعيف جداً، والحرب غير متكافئة، {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}، يأتي يميناً شمالاً {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}
نعوذ باله تعالى من الشيطان ومكائده في شهرنا الكريم هذا وسائر الشهور والدهور.

 
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا