الأسرة وبناء التفكير السليم
2023/01/11
312

إن بناء الشخصية مرتبط ببناء التفكير، وبناء التفكير مرتبط ببناء الفرد في الأسرة، وكثير من الأسر تنمي في أفرادها روح التفكير الابتكاري فينشأ الفرد وقد أخذ دروسا عملية كثيرة في عملية التفكير، فتجد أن الأسرة كلها قد تحولت الى عناصر تفجر الإبداع في جوانب عديدة، فهذا الابن الأكبر أصبح عالماً مفكراً وذلك الثاني أصبح كاتباً بارعاً، والثالث تحول الى مخترع ومبتكر في إحدى مجالات العطاء والابتكار..
فإن عدداً كبيراً من أعلام الأدب والعلم والشعر عبر التأريخ قد تمت رعايتهم في أسرتهم، ولولا تربية أمهاتهم وآبائهم الكرام لهم لما احتل هؤلاء مكانتهم بين المفكرين والمبدعين..

ثم أن للأسرة دوراً واضحاً في تفكير الطفل الابتكاري من خلال سلوكه في اللعب، ومدى إفساح الأسرة لهذا الطفل في تنمية تفكيره الابتكاري، فالركض والجري واللعب بالعصي وغيرها والتي تبدو للناظر أنها ألعاب تافهة وعابثة هي أساس تكامل جسد الطفل وروحه وإن اللعب يبعث القوة في عضلات الطفل والمتانة في عظامه كما أنه ينمي فيه القدرة على الابتكار ويخرج قابلياته الكامنة الى حيز الفعل ولذلك أشار الإمام الصادق بقوله (عليه السلام): «الغلام يلعب سبع سنين ويتعلم الكتاب سبع سنين يتعلم الحلال والحرام سبع سنين»..
وعنه ايضا (عليه السلام): «دع ابنك يلعب سبع سنين». 

إن وجود مكتبة وصحف ومجلات ونشرات مختلفة في البيت تساهم بشكل واضح في بناء المادة الفكرية للأبناء ولذلك فكثير من الأسر التي لا توفر أجواء المطالعة والمكتبة يعاني أبناؤها من الفقر الفكري، ولذلك فإن بيوت العلماء والمفكرين تخرج علماء ومفكرين، في حين بيوت الصناع تخرج الصناع، فالجو العام في البيت له تأثيره الكبير في بناء الفكر المطلوب للأبناء بشكل متكامل..

فضلا عن كل ما ذكرنا لا يكفي أن تكون الأجواء في البيت تدعو الى استلهام الفكر وبنائه، بل لابد أن يسود هذه الأسرة ذلك النوع من الحوار الهادئ الهادف في مناقشة كثير من الأمور الفكرية الحساسة والتي تدعم وترسخ عن طريق الحوار الهادف بين الأبناء من جهة والآباء من جهة أخرى، وهذا ما نلاحظه في كثير من الأسر التي تدعم بالحوار لتجد أن الأبناء يتمتعون بنضوج فكري في كثير من الأحيان..

ولا يخفى أهمية الحوار في بناء الفكر وترسيخ وتثبيت الكثير من العطاءات الفكرية الهامة في الأبناء، وهكذا فان الأسرة لها تأثير كبير في بناء الفكر في أبنائها بل أن للوالدين أثراً فكرياً على الفرد قد يستمر حتى بعد استقلاله التام، ويعود ذلك الى عدة أسباب منها صعوبة اقتلاع الأفكار بعد رسوخها أيام الصبا، ويبدو أن رسوخ الأفكار يتطاول في بعض الأحيان على التغيير، أو الاستهانة بإعادة النظر في ما اكتسبه الشخص أيام الطفولة مما يدل على أن استمرار الوالدين ليس حتمياً، بالاضافة الى أنه يذهب فريق من علماء النفس الى أن الإنسان لا يمر عليه وقت إلا وكان يرتاب من سابقياته، كالأيام الأولى من الشباب حيث تعصف به مشاعر استقلالية عنيفة تدعوه الى التجرد من أفكاره السابقة هذا وإن احترام الانسان لوالديه يستمر بعد أيام الطفولة، ومصده حب الأبناء للآباء فيجتمع الحب والاحترام ليكون هو السبب في نشوء حسن التقليد لديه، ويكون السبب في استمرار الشخص بالرغم من أن احترام أحد لا يفرض عليه اتباعه فرضاً حتمياً. 

لكن هذه الأسباب لا توجب حتمية الاتباع إذ أنها جميعاً ناشئات العواطف والغفلة والاحترام لا يذهب بقدرة الإنسان على التفكير الحر ويقول الله سبحانه وتعالىفي كتابه الكريم :- {واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا اولو كان آباؤهم لايعلمون شيئاً ولا يهتدون}..
إن كلمة حسبنا في هذه الآية ذات دلالة بليغة على أن سبب اعتماد الناس على آبائهم هو الاتباع الثقافي، إذ أن أفكار الآباء تجعلهم مكتفين في زعمهم عن اتعاب البحث فإذا كان الفكر والثقافة التي تغذي الأسرة أبنائها ثقافة رسالية، فإن رسوخها بالإضافة الى رساليتها يكون أثرها واضحا.

ومما يذكر كان الإمام علي (عليه السلام) يلقي خطبة الجمعة في المسجد وعند عودته الى المنزل يجد الحسن والحسين (عليهما السلام) يحفظان الخطبة ويقومان بنقلها الى والدتهما فاطمة (عليها السلام)، فأراد الإمام معرفة الطريقة التي استطاع بها الحسنان (عليهما السلام) التوصل لذلك، فكانت النتيجة أن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا يذهبا الى المسجد، ويعودان قبل مجيء الامام علي (عليه السلام) ويرويان الخطبة لأمهما فاطمة الزهراء (عليها السلام).

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج أسرتنا الى أين الدورة الــ 56 - الحلقة الخامسة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا