رحمة الله قريب من المحسنين
2021/12/16
560

إن من الصفات العظيمة التي وصف بها ربنا عز وجل نفسه "صفة الرحمة"، وهي صفة واسعة المعاني كثيرة الآثار، قال عز وجل: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) ولسعة معانيها قد دل عليها أسماء كثيرة منها الرحمن والرحيم، الرحمن ذو الرحمة الواسعة والرحيم ذو الرحمة الواصلة، وهو الرؤوف والرأفة أعلى معاني الرحمة وهي رحمة وحنان، وكما تدل عليها صفاته وأسماؤه تدل عليها أفعاله سبحانه وتُرى آثارها في خلقه وشرعه، وإثباتها يعد من ضرورات الإيمان إذ تكرَّر ذكرها بلفظها ومعانيها وآثارها في مواضع لا تحصى كثرةً في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والإيمان بها من أعظم موجبات محبة الرب سبحانه وعبادته وتوحيده كما أنها من موجبات صحة الرجاء في الله تعالى والتوكل عليه والإنابة والخضوع إليه سبحانه.

ومما لا يخفى على كل من تدبر القرآن الكريم أن الله تعالى إذا ختم الآيات بذكر أسمائه وصفاته إنما يختمها بما يتطابق مع سياقها ويُؤكد شيئا من معانيها.

تعد الرحمة صفة حقيقة ثابتة لله تعالى تليق بذاته العلية وبكماله سبحانه،. وفي قوله عز وجل: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ)، تفريق بين صفة الرحمة والإنعام الذي هو من آثارها، وفي تسمية المولى عز وجل نفسه بالرحمن وغيره من الأسماء الدالة على الرحمة رد على هذه الأقاويل، لأنها أسماء ثابتة لله تعالى قبل أن يخلق الخلق

أن الرحمة أعم من رحمة الآخرة، فهي رحمة تنال في الدنيا والآخرة، والله تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته ومن أهل سؤاله  بإجابته وفي علة تذكير القرب في الآية الكريمة -وقوله قريب لا قريبة- أن المشار إليه هو رب العزة جل جلاله، لأن قربه أخص من قرب رحمته وهو أدعى للإقبال على الإحسان

  ورأس الإحسان الموجب لقرب رحمة الله تعالى هو أن يُعبد الله عز وجل عبادةَ من هو حاضر شاهد على عباده، فيُتقن المرء عبادته ويستحيي من معصيته ومن مخالفة أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالمحسنون هم الموحدون وهم الطائعون وهم المتبعون لسنة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

 ويدخل في الإحسان إلى الوالدين والأولاد والأزواج والأقارب والجيران بالمال والجاه والشفاعات والكلمة الطيبة، ومن الإحسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع، ومنه قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وإرشاد ضالهم، ويدخل فيه أيضا العفو عن المسيء. ومن الإحسان إتقان العمل وعدم غش الناس والصدق في الحديث والتعامل.

 والآية هنا قد أطلقت الإحسان فيدخل فيه الإحسان في التعامل مع الله عز وجل وفي التعامل مع الناس في كل شيء وفي الجملة التي خُتمت بها الآية الكريمة حثٌّ للمؤمنين على الإحسان حتى يستحقوا نيل رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، وحتى يُدفع عنهم البلاء ومظاهر الفساد، فإنَّ صنائع المعروف تقي مصارع السوء. فأكَّد سبحانه أنَّ رحمته مُرْصَدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره، كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) وإذا تبيَّن هذا لم ينقضِ العجب من أناس يُكثرون الشكوى من الفساد ومظاهره، ومن الظلم وعمومه، ثم إذا أرادوا رفع البلاء وقاموا لتغيير أوضاعهم يتجنبون طريق الإحسان، بل يمعنون في الفساد في الأرض، فأنى لهؤلاء أن ينصرهم الله عز وجل أو تنالهم رحمته، بل إنهم يوكلون إلى أنفسهم، وربما يصيبهم نقيض قصدهم جزاء تعدِّيهم وطغيانهم، فيزداد البلاء ويعظم الشقاء

وفي الختام فإن نشر الرحمة والتراحم بين الناس سيفتح لهم طريقاً مشرعاً إلى رحمة الله، وسينزل عليهم الأمطار والنعم الربانية من حيث لا يشعرون، قال الإمام علي (عليه السلام): (ببذل الرحمة تستنزل الرحمة)، أما المجتمع الظالم الذي يظلم فيه القوي الضعيف والكبير الصغير والرجل المرأة، هذا المجتمع لا يستحق الرحمة والعطاء.

ومن موجبات رحمة الله، مساعدة الضعفاء، والضعيف هو من لا حول له ولا قوة مثل الطفل الذي لا قدرة لديه في الدفاع عن حقوقه والرجل والمرأة الكبيرين في السن اللذين لا يقويان على مقارعة الشباب، والمرأة التي لا تملك من القوة البدنية ما يمكنها من مواجهة الرجال،

فلم يوص النبي عليه (صلى الله عليه وآله) هذا الرجل بكثرة الصلاة والصوم وإن كانت العبادة هي نوعاً من رحمة الله على العبد، لكن أعظم الأشياء التي تجلب رحمة الله هو أن يرحم الرجل امرأته وأطفاله ووالديه وإخوانه وعشيرته وأهل منطقته وأهل بلده والناس جميعاً.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ترانيم الغدق-الحلقة الأولى-الدورة البرامجية66.

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا