خطواتُ طفلِكِ الأولى نحوَ التألّق

2025/10/11

49
محاضرةٌ تربويةٌ نظمها مركز الثقافة
الأسرية في العتبة العباسية المقدّسة
في عالمٍ تتسارعُ فيه التحدّياتُ،
وتتشابكُ فيه الضغوطُ الدراسيةُ والنفسيّةُ على أبنائنا، تظلُّ
الطفولةُ الصفحةَ الأولى في كتابِ الإنسان، واللبنةَ التي يُبنى عليها
مستقبله، ومن هذا المنطلق جاءت مبادرةُ مركز الثقافة الأسرية التابع
للعتبة العباسية المقدّسة؛ ليكون الحاضنَ الواعيَ لكلِّ أمٍّ ومربٍّ
يسعى إلى أن يرى طفلَهُ نجمًا في سماء التألّق، لا رقمًا في سباقِ
الدرجات.
وفي هذا الإطار، أقام المركز صباحَ
يوم السبت الموافق (11 تشرين الأول 2025) محاضرةً بعنوان “خطوات طفلك
الأولى نحو التألّق”، قدّمتها الدكتورة مريم عبد الحسين علي،
بكالوريوس طب وجراحة عامة وممارسة للطب النفسي، بحضور نخبةٍ من
الأمهات والمهتمات بالشأن التربوي، وبمشاركة وفدٍ من مؤسسة الشهداء
والسجناء في بغداد.
انطلقت الدكتورة مريم برحلةٍ علميّةٍ
وإنسانيّةٍ نحو فهمٍ أعمقَ لنفسيّة الطفل، مبيّنةً أنَّ الضغطَ
الدراسيَّ قد يكون في أحيانٍ كثيرة نداءَ استغاثةٍ خفيًّا، لا يُسمَع
إلا بأذنٍ رحيمةٍ وبصيرةٍ تربويّة.
وتناولت في محاورها أبرزَ المؤشّراتِ
السلوكيّة التي تدلُّ على التوتّر والقلق، وعرّفت الأمهاتِ بوسائلِ
التعاملِ السليم معه، بدءًا من الاستماعِ الفعّال، ومرورًا بمساعدةِ
الطفلِ على التعبير عن مشاعره، وصولًا إلى تعليمه مهاراتِ التنظيمِ
الذاتيِّ والتفكيرِ المرن.
كما سلطت الضوء على موضوع عُسر
التعلّم، مؤكّدةً أنّه ليس ضعفًا في الذكاء بل اختلافٌ في طريقةِ فهمِ
العالم، وأنَّ الحلَّ يكمن في تهيئةِ بيئةٍ تعليميّةٍ رحيمةٍ تُراعي
نمطَ الطفلِ لا أن تُلزمه بإيقاعٍ لا يُشبهه.
وتضمّنت المحاضرةُ توضيحًا لخصائصِ
التفكيرِ في مرحلةِ الطفولةِ المتوسّطة، وبيانَ دورِ الأمِّ والمعلّمِ
في بناء الكفاءةِ والمرونةِ النفسيّة، من خلالِ تشجيعِ المحاولةِ
وتجزئةِ المهامّ، مع عرضٍ لمفهوم “منطقة النموّ القريبة” للعالم
فيغوتسكي، وشرحٍ لكيفيّةِ إسهامِ الدعمِ التدريجيّ في بناءِ
استقلاليّة الطفل وثقته بنفسه.
وفي محور قلق الاختبارات، قدّمت
الدكتورة مريم حلولًا عمليّةً لمساعدةِ الأطفال على استبدالِ الأفكارِ
السلبيّةِ بأخرى إيجابيّة، وتعليمهم مهاراتِ إدارة الوقت، وقراءة
التعليمات، والتعامل الهادئ مع الامتحان باعتباره تجربةَ تعلّمٍ لا
مقياسًا للقيمة.
من جانبها، أكّدت السيدة سارة
الحفّار، مسؤولة مركز الثقافة الأسرية، أنّ هذه المحاضرة تأتي ضمن
سلسلة البرامج التي يسعى المركز من خلالها إلى تمكين الأسرة بالأدوات
النفسيّة والتربويّة التي تعينها على احتضان أبنائها وتنشئتهم على
الوعي والثقة والمسؤولية، انسجامًا مع رؤية العتبة العباسية المقدّسة
في بناء الإنسان المؤمن والمجتمع المتوازن.
واختُتم اللقاءُ بجلسةٍ حواريّةٍ
مفتوحةٍ شهدت تفاعلًا كبيرًا من الحاضرات، اللاتي عبّرن عن امتنانهن
لما قدّمته الدكتورة مريم من معرفةٍ رصينةٍ ممزوجةٍ بحسٍّ أموميٍّ
عالٍ يجمع بين العقل والعاطفة، بين العلم والقلب.
وفي الختام، يُذكر أنّ جميعَ ما طُرح
من رؤى وتوجيهاتٍ تربويّةٍ ونفسيّةٍ خلال المحاضرة، إنما ينهلُ من
منهجِ أهلِ البيت (عليهم السلام) في رعايةِ النفس الإنسانيّة منذ
الطفولة؛ ذلك المنهجُ الذي يُوازن بين العقل والتربية، الرحمة
والانضباط، الكلمةِ الطيّبة والدعمِ العمليّ.
فمدرسةُ محمّدٍ وآلِه الأطهار هي
النورُ الذي يهدي في دروبِ التربية، كما يهدي في دروبِ
العبادة.