تأصيلات لإنجاح الحياة الأسرية / 3 المسؤول في داخل الأسرة
2025/09/24
44

إنّ وجود المسؤول في الأسرة أمر ضروري؛ لأنّ كلّ اجتماع إنساني مهما كان صغيًرا فإنّه عرضة للاختلاف بين مكوناته، ولا سبيل إلى إناطة الأمور بالتفاهم والتراضي دومًا، كما لا يصح إناطة الأمر في كلِّ خلاف بالرجوع إلى جهة خارجية كالقضاء، وتلك حقيقة مشهودة في الحياة.. وهذا المعنى ينطبق في شأن الأسرة أيضًا.

ومن الصحيح في جوِّ الأسرة بما فيها من أسرار وخصوصيات أن تُحلّ داخل الأسرة دون الالتجاء إلى جهة خارجية، فإنْ تم تفاهم الطرفين وفق مقتضى الاستحقاقات الفطرية والشرعية ورعاية المعروف والفضل فذلك، وإلّا كان الوضع الملائم تعيين أحد الزوجين ليكون رأيه متبعًا في الإدارة.

ويبدو أنّ الأولى في الإدارة -بملاحظة طبيعة الصفات التي طُبع عليها الرجل والمرأة- هو الرجل، وليس معنى ذلك أن يكون الرجل مزاجيًا، أو مخولًا في التعسف ضد المرأة، فإنّ ذلك أمر غير سائغ قطعًا، بل بمعنى أن يكون الرجل هو المسؤول عن رعاية ما يكون صلاحًا للأسرة كاملة، ومن الطبيعي أن يكون مزاج الرجل وطاقاته وإمكاناته جزءًا من المعادلة المنصفة، كما هو الحال في المرأة والأولاد، لكن الملحوظ في توليه أمر الأسرة ليس رعاية مزاجه فحسب، بل رعاية النصح لها كما هو الحال في سائر موارد جعل الشارع أمرًا لشخص، فإنّه ليس مبنيًا على التخويل في التصرف المزاجي والأناني، بل تحميلًا لمسؤولية القيام بالسلوك الناصح والراشد، وهذه هي الصيغة المعقولة في الحياة.

وإذا قُدِّر تعسف الزوج بشكل شخّصت المرأة أنّ الأصلح بحالها أن يخرج الأمر عن دائرة الأسرة أمكن لها رفع الأمر إلى ذوي الطرفين -كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ (النساء: ٣٥)؛ لأنّ ذوي الخبرة والحكمة والتجربة من قرابة الطرفين أنصح لهما وأستر عليهما بطبيعة الحال، وإلا أمكن للزوجة رفع الأمر إلى القضاء.

إنّ من المهم الانتباه إلى أنّ من الخطأ الكبير أن يتم تصوير ثنائية الرجل والمرأة على أساس نوع من المغالبة والمصارعة بينهما أو تمني أحدهما لموقع الآخر، كما قال سبحانه: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء: ٣٢)، بل ينبغي أن يتعامل الجميع على أساس النصح لمجموع هذا الكيان وحفظ كلِّ طرف لموقع الطرف الآخر فيها، وعلى الزوج والزوجة أن ينتبها إلى أنّ سعادة كلٍّ منهما من سعادة الآخر، وأن تعسّف أحدهما على الآخر وأذاه لن يؤدي إلى سعادته وسعادة أولاده الذين يهمه أمرهم بحال، بل يؤدي إلى عنائه وعنائهم جميعًا لا محالة، فالزوجان هما كيان واحد وبعضهما من بعض في ضمن هذا الكيان.

ومن خلال ما تقدم يظهر أنّ ما جاء في الدين من خصوصيات للرجل في أمر الأسرة لم يكن انحيازًا متعسفًا له بل كان مراعاة للوضع الأمثل الملائم للجنسين، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَلَـهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة: ٢٢٨)، ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: ٣٤).

وللمرأة المؤمنة مزيد ثقة برؤيتها للحياة من حيث نظرتها إلى الأمور بتجرد وإنصاف، ومن حيث تأكد تلك الرؤية بالدين، وهي ترجو فيما تعمله تقدير الله سبحانه ورضاه، فإنّ الدنيا والآخرة صنوان، وما تحمله المرأة في مقام إنجاح الأسرة هو بمحضر الله سبحانه ومحلِّ ثنائه وتقديره في هذه الحياة وما بعدها.

وإذا كانت المرأة مربية أو معلمة فإنّ وظيفتها تربية المجتمع على هذه التعاليم، كما أنّه كلما كانت المرأة ذات شخصية اجتماعية مؤثرة أكثر كانت وظيفتها أكبر في ممارسة تأثيرها على المجتمع بما يتيسر في الاتجاه السليم والراشد، كما جاء في الحديث: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته».

 

  • (انظر: رسالة المرأة في الحياة، السيد محمد باقر السيستاني: ص52-56)

 

__________________________________________
نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1054.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا