وأشرقت أنوار الصادقين
2025/09/10
37

في غياهب التاريخ، وفي أعماق الجزيرة قبل أن تشرق شمس الهداية عليها، كانت الجبال يسودها صمتًا رهيبًا، والأرض تتغاضى عن الظلمة والأشرار، والظلام يخيّم على العقول ويلفُّها بوشاح الجهل، والقلوب تئنّ تحت وطأة التخلّف، ويعيش الناس في دوامة الوهم! فقد كانت تُعبد الأصنام المشكّلة بأيدي العباد وينصبونها كآلهة لهم، وتحاط بهالة من القداسة، وتمجّد بالخرافة، ويُعتنى بها على حساب المستضعفين والمظلومين.. بل ذهبت بهم المذاهب إلى أبعد من ذلك فجعلوا الأفلاك والشمس والقمر أوثانًا يتعبّدون بها! حتى إنّهم سخّروا الجن لأعمالهم الدنيئة.. ومع كلّ تلك التحديات والأمزجة المختلفة المتخلّفة ظلّت هناك فئة قليلة تعبد الله تعالى وتوحّده، وبقيت محافظة على الدين الحنيف كأنّها -تلك الفئة- جمرة متّقدة تحت الرماد، تنتظر من ينفخ فيها لتضيء من جديد، وترشد التائهين.

ولو قلّبنا صفحات التاريخ لوجدنا أن ما يُحيط بالجزيرة من أمم كبرى (كالفرس والروم) لم تكن أفضل حالًا، بل كانت أيضًا ترزح تحت وطأة الجهل وضلالة العقيدة، متضمنة الاستبداد والتجبُّر، أمّا القبائل العربية المحيطة فكان بعضها منشغلاً بالتناحر والقتل واستعباد العباد واستحياء النساء ووأد البنات.. وسادتُها ووجهاؤها يجورون على الفقير، ويبيعون ويشترون بالناس، والمرأة عندهم حقيرة ذليلة تُداس تحت أقدام الجاهلية والتطرّف القبلي إذ تُباع وتُشترى كالحيوان! ولم يكن للعدل وجهٌ عندهم..

وسط تلك التراكمات والتقلّبات التي كانت تعصف بالمنطقة وما يحيطها، أذن الله تعالى أن تُشرق نور الحقيقة لتبدّد ظلمات الجهل، في عام لن ينساه التاريخ ما حييت البشرية.. نعم لقد أشرق نور سيد البشرية جمعاء، فساد نوره كلّ الآفاق.

حتى إذا بلغ الأربعين صدح بالرسالة الخالدة لينتشل العالم من براثن الجهل وظلمات التخلّف.. فدخل الناس أفواجًا؛ لما رأوا في الرسالة سفينة نجاة من الجبت والطاغوت.

كان مشروعه (صلى الله عليه وآله) تربويًا وأخلاقيًا، غيّر موازين الحياة -بخاصة في الجزيرة- فتسيّدت الأخلاق سلوكيات المؤمنين، ودُقّت أحجار أساس العدالة الاجتماعية.. حتى خرج الإنسان من عنق الجاهلية إلى رحبة المعرفة، ومن عبودية الهوى إلى عبودية الله تعالى، فكان ميلاده إشراقةً أنارت العقول والقلوب.

وشاءت الأقدار أن تُوافق إشراقة نور الحفيد نور الجدّ، لتبقى أنوار الآل خالدة عبر الأجيال، ومتجدّدة مهما توالت الأزمان، ليُكمل الصادق الحفيد (عليه السلام) ما بدأه الصادق الجد (صلى الله عليه وآله)، فيُطبّق مبادئ الرسالة وقيمها الخالدة.

 

  • علي عبد الجواد
__________________________________________
نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1052.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا