اللحظة الحاسمة في شهادة العسكري (عليه السلام)
2025/09/01
29

في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في التاريخ الإسلامي، راهنت السلطة العباسية على استغلال الفراغ بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لتحقيق مكاسب حاسمة تُنهي بها سلسلة الإمامة. وتمثلت خطتها في مسارين خطيرين، كلاهما كان يهدف إلى طي صفحة أهل البيت (عليهم السلام) نهائيًا من الساحة الدينية والسياسية:

وأولى تلك المحاولات تمثلت في السعي الحثيث لكشف حال الإمام الغائب عند وفاة والده، فوجوده يُعدّ تهديدًا مباشرًا للمشروع العباسي، وإنكار وجوده هو الغاية القصوى التي تطمح إليها السلطة. فإن لم يكن له وجود ظاهر، سهُل عليهم نشر الفكرة بين الناس بأن لا إمام بعد العسكري، وبهذا تُغلَق أبواب الإمامة، ويُطفأ نور آل محمد (عليهم السلام) في وعي الأمة.

وأما الخطة الثانية فكانت أكثر دهاءً، حيث عمدت السلطة إلى دعم جعفر بن علي -عم الإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه)- وتنصيبه علنًا كإمام، مستغلة حالته المعروفة بين الناس من التهاون بالشريعة وضعف الالتزام الديني، لتضرب بذلك مصداقية الإمامة في أصلها، فجعفر لم يكن مجرد مدّعٍ للإمامة، بل كان أداة بيد السلطة، تُستخدم لتضليل الأمة والطعن في قدسية نهج الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

ولكن الحدث المفاجئ الذي قلب الطاولة على الجميع كان الظهور الاستثنائي للإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه) في لحظة دفن أبيه (عليه السلام)، حيث خرج إلى العلن وصلّى على الجثمان الطاهر، مثبتًا وجوده الميداني أمام أعيُن الكل، وقاطعًا الطريق على كلّ محاولات التزوير. هذا الظهور القصير والمركّز كان كفيلًا بإفشال كلّ السيناريوهات التي حبكتها السلطة وأعوانها، وأبطل دعاوى جعفر، وأسقط حججه الزائفة، ورسّخ في وجدان أتباع أهل البيت (عليه السلام) أنّ الإمامَ الحيَّ حاضرٌ، وإن كان مستترًا.

وما إن أتمّ الإمامُ (عجّل اللهُ فرَجَه) صلاتَه حتى غاب مرةً أخرى، بطريقة أربكت أجهزة المراقبة التي كانت تترصده، وجنّبت الإمام خطر الاعتقال أو القتل، لتبدأ بذلك مرحلة الغَيبة الصغرى، مرحلة الاتصال المحدود والسرّي، التي شكّلت جسرًا لحفظ الإمامة من الاستئصال، وضمان استمراريتها في وجدان الأمة ووعيها على الرغم من التحديات.

 

  • الشيخ حسين التميمي

 

__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1036.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا