سكينة عليها السلام .. صرخة كربلاء التي تمتد إلى زمن الظهو
2025/08/28
23

يُثار في أذهان البعض سؤالٌ قديمٌ متجدّد: لماذا اصطحب الإمام الحسين عليه السلام نساءه وعياله في رحلته من مدينة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله إلى أرض كربلاء، رغم وعورة الطريق، وشدة الحرّ، ومشقة المسافة التي كانت تُنهك أشدّ الرجال صلابةً؟ أكان الإمام غافلًا عن تلك المصاعب وهو الذي قال الله تعالى في شأنه وشأن آبائه: ﴿وَعِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 43]؟ حاشاه. بل كان عليه السلام عارفًا بما سيكون، عالمًا بما يجري، لكنّ اصطحاب النساء لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل جزءًا من رسالةٍ إلهيّة مُحكمة.

لقد شدَّ الإمام الحسين عليه السلام رحاله، وأخذ بيد النساء والأطفال، ليكتب بدمه ودمائهم صفحةً خالدةً في تاريخ البشريّة، وليؤكّد أنّ ثورته ليست مجرّد معركة عسكرية تنتهي عند الظهر الدامي من عاشوراء، بل رسالة متكاملة، لها لسانٌ يبلّغ، وقلوبٌ تصبر، ودموعٌ تنطق. ولذا قال تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [الحديد: 25].

الإعلام الرسالي في كربلاء

بعد أن قضى الحسين عليه السلام شهيدًا وارتفعت دماؤه قربانًا بين الأرض والسماء، لم تُطو صفحة الثورة، بل امتدّت على ألسنة النساء اللواتي تحوّلن إلى منابر حيّة، يروين الملحمة ويكشفن زيف الطغاة. هنا تجلّى البعد الإعلامي لواقعة الطف، فكل امرأة من آل البيت كانت “إعلامية” بلسانها وصبرها وثباتها.

ومن بينهن تبرز السيّدة الجليلة سكينة بنت الحسين عليها السلام، تلك الفتاة التي لم يمنعها صغر سنّها من أن تكون شاهدةً ناطقةً بالحق. أثبتت أنّ العمر ليس مقياسًا للجهاد، بل البصيرة والإيمان هما المعيار. لقد كانت مثالًا للمرأة الواعية التي تُدرك أنّ رسالتها لا تقل شأنًا عن رسالة الرجل، بل هي مكملة لها، وكيف لا وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ… أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].

دور المرأة في صناعة الجهاد

لم تكن السيدة سكينة عليها السلام مجرّد ابنة إمام، بل كانت عقلًا واعيًا ولسانًا مبينًا، تحوّل منذ واقعة الطف إلى سلاحٍ إعلامي يفضح الباطل. لقد جسّدت حقيقة أنّ المرأة هي مدرسة الجهاد؛ فمن تحت عباءتها يخرج المجاهدون والعلماء والفقهاء. وهنا يحضر قول الإمام الصادق عليه السلام: «تكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة، قلن: وما يصنع بهن؟ قال: يداوين الجرحى، ويقمن على المرضى كما كنّ مع رسول الله صلى الله عليه وآله» (بحار الأنوار، ج52). وفي رواية أخرى ورد أنّ عددهن خمسون امرأة يناصرن الإمام المهدي عجل الله فرجه (الإرشاد للمفيد، ج2).

من سكينة إلى نساء الانتظار

إنّنا ونحن نتأمل في سيرة السيّدة سكينة عليها السلام، نجد أنّها تمثّل القدوة الأسمى للمرأة المؤمنة في زمن الغيبة، لتكون عنصرًا فاعلًا في جهاد التبيين والدفاع عن العقيدة. فهي قدوة لنساء الانتظار، اللواتي يُهيّئن أنفسهن ليكنّ مع الإمام المهدي عجل الله فرجه، في جيشٍ لا يقتصر على السيوف بل يشمل الكلمة والوعي والتبليغ.

قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة: 71]. وهذه الآية تُجسّد تمامًا دور المرأة الرسالية الذي برز في سكينة بنت الحسين، ويتجدّد في كل امرأة تنتظر إمام زمانها وتعدّ العدّة لنصرته.

 

أفياء الحسيني.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا