(الحكمة الحادية عشرة):
أن يهتمّ المبلِّغ بنقد نفسه بنفسه، ممحّصًا لأقواله وأدائه قبل الناس، متجنّبًا عن تزكية النفس، غير آمنٍ من خطئه وخطيئته، مستحضرًا لحضور الله سبحانه معه ورقابته عليه في مقام دعوته وفي أحواله كلِّها وسؤاله عنها في يوم القيامة، منتفعًا بنقد الناس إيّاه، منصفًا لهم من نفسه، مستجيبًا للتذكير بالحقِّ.
وليعلم أنّ النبيّ وعترته (صلوات الله عليهم) شهداء على أهل العلم في الدين والدعاة والمبلّغين بما أدّوا وعملوا، ثمّ أهل العلم شهود على سائر الناس في مجتمعهم بما أدُّوه وعملوا به، كما قال تعالى: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحج: 78)، فمَن فرّط في أمر الدعوة في قولٍ أو عملٍ تمّت الحجّةُ عليه وحُمّل نتيجة تفريطه، ومَن وفى به على وجهه ثمّ فرّط الناسُ في الاستجابة تمّت به الحجّةُ وسلِم من العقاب والعتاب، وذلك أمرٌ خطيرٌ لمن تأمّله حقّ تأمُّله ووعاه حقّ وعيه.
(الحكمة الثانية عشرة):
وقبل ذلك كلّه وبعده تحرّي التقوى والإخلاص لله تعالى في القول والأداء والسلوك، فيجعل الله سبحانه نصب عينيه ويستحضر رقابته عليه ويسعى إلى رضاه وقبوله ويكون عمله لوجهه الكريم، فإنّ من أخلص لله تعالى حقًّا واتّقاه أوقظه في مواضع الغفلة ونبّهه على مواضع الخلل ويسّر له سبيل الرشد، ثمّ بارك له سبحانه في عمله في هذه الحياة وما بعدها.
وليس في ذلك ما يعني أنّ في نيّة المرء ما يُغني عن الاهتمام بعمله وإتقانه إيّاه والانتباه إلى آثاره والاستعداد له قبل إنجازه، بل الإخلاص الحقُّ ما فتح ذهن الإنسان على مزيدٍ من التعقُّل وساعد على إدراكه لمقتضى الحكمة والتفاته إلى عواقب الأمور، فيتجهّز لكلّ أمرٍ وفق ما يقتضيه، ولا يرسل القول على عواهنه، ويعتبر بتجاربه وبتجارب الآخرين، كما جاء أنّ المؤمنَ كـيِّـسٌ، وأنّه ينظر بنور الله سبحانه، ولن يُلدغ من جُحرٍ مرّتين، ولسانه وراء عقله بينما يكون عقل الأحمق وراء لسانه، يعمل الأعمال الصالحة وهو منها في وجَلٍ، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَـهَا سَابِقُونَ﴾ (المؤمنون: 60-61)، هذا ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الألبَابِ﴾ (البقرة: 269).
اللّهمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، وبارك على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، وترحّم على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، كما صلّيتَ وباركتَ وترحّمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
اللّهمَّ وفِّـق الداعينَ إليكَ، والمبلِّغين لدينِكَ، والذاكرين لأهلِ بيتِ رسولِكَ (عليهم السلام) لأداء هذه الوظيفة على الوجه الأمثل، واكتب لهم الإخلاصَ لكَ والابتغاءَ لرضوانِكَ، وأعِنهم على التحلّي بكلّّ فضيلةٍ والابتعادِ عن كلّ ذميمةٍ، واشكر لهم سعيَهُم في ذلك في الدنيا والآخرة، واكتب مثلَ ذلكَ لكلِّ مَن سعى في ذلك بإقامة تلك المجالسِ والمراسمِ والإعانةِ عليها والحضورِ فيها، ربَّنا وتقبّل مِنّا إنّكَ أنتَ السميعُ العليمُ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
(من وصايا المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلّغين والشعراء والرواديد بمناسبة حلول شهر المحرّم الحرام عام 1441هـ)
__________________________________________