الحزن العاشورائي يبني الإنسان وهو سنة الأنبياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام) / 2
2025/07/23
45

هناك ثقافة عندنا -نحن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) والتي أذكاها النبي وأمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام زين العابدين إلى الإمام العسكري (عليهم السلام)- ألا وهي ثقافة الحزن والبكاء على سيد الشهداء (عليه السلام).

فهل هذه الثقافة، وهذا البكاء، بكاء عفويٌ ناشئٌ من قضية حادثة وقعت وانتهى الأمر؟ أو أنّ هناك نكتة وقضية جوهرية!

فلا بد من وجود سرٍّ في هذا المشهد العاشورائي الذي ما زلنا الآن وبعد أكثر من أربعة عشر قرنًا نرى أنّ هذه الذكرى العاشورائية تتجدد، ويزداد أعداد من يمارس البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) بشكل كبير في كلّ عام.

الآن نحن للأسف بسبب كثرة ما يصيبنا من ذنوب فإنّها تحجب الحقائق عنا.. فقد ورد في الروايات الشريفة أنّ هناك أكثر من أربعة آلاف ملك شعث غبر يندبون الإمام الحسين (عليه السلام)، بل ورد أنّ جميع الأنبياء يستأذنون الله تعالى أن يزوروا الإمام الحسين (عليه السلام).

لاحظوا، إنّ المشهد العاشورائي المحزن الوارد في الرواية الشريفة! فلا تقول الرواية إنّ الملائكة (شداد غلاظ)، بل قالت (شعث غبر)، يندبون الإمام الحسين (عليه السلام) ويبكون، وهو ضحية أبشع جريمة حدثت في التاريخ، وأكبر تعدٍّ على مقام الله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)، كيف لنا أن ننصر الله تعالى؟ وهل هو ذات تحتاج إلى نصرة؟! حقيقة الأمر أن النصر يأتي بأن ننصر دين الله تعالى، والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الهداة هم المشخصون لبيان الدين.

لذلك، أنّ مسألة الحزن مسألة قرينة للمؤمن، ولا خير في مؤمن لا يحزن على الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لأنّها سنة النبي والأئمة (عليهم السلام)، وأنّ الله تعالى يرث الأرض ومَن عليها تحت مقام الإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه)، ومن أهدافه الأساسية؛ أنّه يجعل واقعة الطف في مشروعه، ولا يمرُّ على واقعة الطف مرور الكرام أبدًا!

فواقعة الطف مشروع مهم عند الإمام المهدي (عليه السلام)، ففي زيارة عاشوراء ومن جملة ما يُقرأ تطلب النصرة مع إمام منصور من أهل بيت محمد (عليه السلام)، حيث قال: «وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍ ناطِقٍ بِالحَقِّ مِنْكُمْ، وَأَسْأَلُ الله بِحَقِّكُمْ وَبِالَّشْأنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطِي مُصابًا بِمُصِيبَتِهِ، مُصِيبَةً ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الإسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ» (مفاتيح الجنان).

إذن، هذا الحزن العاشورائي لا بد من أن يجري في دمنا، وهذا الحزن العاشورائي الذي له قدرة على أن يميّز الحق من الباطل، وهذه المجالس -التي تُعقد لإثارة الشجى والحزن- كان يطلبها الإمام الصادق (عليه السلام) ويريدها، فعندما جاءه شاعر وأراد أن يذكر عبد الله الرضيع قامت امرأة من العلويات وقدّمت طفلًا تذكيرًا بعبد الله الرضيع، فتفاعل الإمام وبكى على الإمام الحسين (عليه السلام).

نحن لسنا بصدد ذكر ما للدمعة التي تُسكب على الإمام الحسين (عليه السلام) من أثر، فالمهم هنا أن نبيِّن أنّ الحزن العاشورائي سنة الأنبياء، وأنّه فعل النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنّه أفضل من حزن يعقوب على يوسف التي فيها ابيضّت عيناه وعميت، فالإمام السجاد (عليه السلام) يكون حاله بهذه المصيبة في حال آخر، في حال أعظم! فهو قد رأى المشهد بأمِّ عينيه.

 

(من الخطبة الدينية لسماحة السيد أحمد الصافي في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ: 8 محرم 1439هـ - الموافق: 29/9/2017م)

 

__________________________________________
نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1045.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا