عاش الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في مرحلة حرجة من التاريخ الإسلامي، تميزت بكثرة التحديات الفكرية ومحاولات تحريف الدين من قبل بعض المتصدّرين للعلم زوراً وبهتاناً. ومع صغر سنه، إلا أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) واجه تلك التحديات بكلِّ حكمة وقوة، مبيناً بطلان دعاوى أولئك المدّعين العلم بوساطة علمه الإلهي ومنطقه المحكم الذي ورثه عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام).
وبرزت في تلك المرحلة ظاهرة العلماء المزيفين الذين كانوا يسعون لكسب السلطة والوجاهة في بلاط العباسيين بالخوض في المسائل الدينية والفكرية دون أهلية حقيقية لذلك، وكان من أبرز من تصدّى لهم الإمام الجواد (عليه السلام)، إذ شكّل حضوره العلمي تحدياً لهم، خصوصاً حين بدأ المأمون العباسي بإظهار الإمام (عليه السلام) إلى العلن لعقد المجالس والمناظرات أمام كبار العلماء.
ومن أشهر المواقف: مناظرته مع يحيى بن أكثم، قاضي القضاة في الدولة العباسية، حينما أراد المأمون أن يحرج الإمام (عليه السلام) بصغر سنه أمام الناس، فطرح يحيى سؤالاً دقيقاً عن حكم المُحرِم إذا قتل صيداً، ففاجأه الإمام (عليه السلام) بردود مفصلة دقيقة، فعدّد له الإمام (عليه السلام) أكثر من ثلاثين حالة مختلفة، مما أذهل الحاضرين وأثبت لهم أنّ الإمامة ليست بالسن، بل هي مقام إلهي اختص الله تعالى به أولياءه.
ولم تكن تلك المناظرات مجرد رد على الأسئلة، بل كانت مدرسة فكرية بحدِّ ذاتها، إذ كان الإمام (عليه السلام) يكشف الأسس الخاطئة التي انطلق منها السائل، ويقوّم المفاهيم، ويغرس الفهم الصحيح للشرع والعقيدة.
كما واجه الإمام (عليه السلام) ذلك عن طريق تلامذته ومحبيه الذين نشروا علمه ورووا أحاديثه، فصار له دور فكري فعال في تحصين الأمة من الفتن المعرفية والانحرافات الفكرية. فبينما كان مدّعو العلم يسعون وراء السلطان والمال، كان الإمام الجواد (عليه السلام) يسير بخطًى راسخة على طريق الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) في بيان الحق وفضح الباطل.
إنّ سيرة الإمام الجواد (عليه السلام) في مواجهة مدّعي العلم تمثل مثالاً راقياً في كيفية الدفاع عن الدين بالعلم، وتؤكد أنّ الحق لا يُعرف بكثرة الأتباع أو صخب المجالس، بل يُعرف بنور الحجة وصفاء المنهج وصدق النية.