هو عمُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن شجعان العرب المعروفين ببطولاته في الإسلام، وهو الذي أصرّ على أن يخرج المسلمون من المدينة ويقاتلوا قريشاً خارجها.
ولقد دأب حمزة (عليه السلام) على حماية رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أذى المشركين في اللحظات الخطيرة والظروف القاسية من بدء الدعوة الاسلامية بمكّة.
وقد ردّ على أبي جهل الذي كان قد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشدّة، وضربه ضربةً شجّ بها رأسه في جمع من قادة قريش، ولم يجرأ أحد على مقابلته.
لقد كان حمزة (عليه السلام) مسلماً مجاهداً وبطلاً فدائيًّا متفانياً في سبيل الإسلام، فهو الذي قتل شيبة، وشيبة من كبار صناديد قريش وأبطالها في بدر كما قتل آخرين، ولم يهدف إلّا نصرة الحقِّ والفضيلة، وإقرار الحريّة في حياة الشعوب والأُمم.
ولقد كانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان تحقد عليه أشدّ الحقد، وقد عزمت على أن تنتقم من المسلمين لأبيها مهما كلّف الثمن.
فأمرت (وحشياً)، وهو غلام حبشي لجبير بن مطعم الذي قُتل هو الآخر عمُّه في بدر، بأن يحقّق غرضها وأملها كيفما استطاع، وقالت له: لئن قتلت محمّداً أو عليًّا أو حمزة لأعطينّك رضاك.
فقال وحشي لها: "أمّا محمّد فلا أقدر عليه، وأمّا علي فوجدته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلا أطمع فيه، وأمّا حمزة فإنِّي أطمع فيه لأنّه إذا غضب لم يبصر بين يديه".
يقول وحشي: ولما كان يوم أُحد كمنتُ لحمزة في أصل شجرة ليدنو منّي، وكان حمزة يومئذٍ قد أعلم بريشة نعامة في صدره، فو الله إنّي لأنظر إليه يهدّ الناس بسيفه هداً ما يقوم له شيء، فهززت حربتي -وكان ماهراً في رمي الحراب- حتّى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته -وهي أسفل البطن- حتّى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغلب، وتركته وإيّاها حتّى مات، ثمّ أتيته فأخذت حربتي ثمّ رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنّما قتلته لأُعتق.
فلمّا قدمت إلى مكّة أُعتقت ثمّ أقمت، حتّى إذا افتتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكّة هربت إلى الطائف فمكثت بها. فلمّا خرج وفد الطائف إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليسلموا تعيّت عليّ المذاهب، فقلت: ألحق بالشام أو اليمن، أو ببعض البلاد، فو الله إنِّي لفي ذلك من همِّي إذ قال لي رجل: ويحك إنّه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه، وتشهّد شهادته.
فلمّا قال لي ذلك، خرجت حتّى قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة، فلم يرعه إلّا بي قائماً على رأسه أتشهّد بشهادة الحقِّ، فلمّا رآني قال: أوحشي؟!
قلت: نعم يا رسول الله.
قال: اقعد فحدِّثني كيف قتلت حمزة، فحدّثته بما جرى له معه، فلمّا فرغت من حديثي قال: ويحك! غيّب عنّي وجهك فلا أرينّك.
أجل هذه هي الروح النبويّة الكبرى، وتلك هي سعة الصدر التي وهبها الله تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله) قائد الإسلام الأعلى، ومعلِّم البشريّة الأكبر، تراه عفا عن قاتل عمِّه، مع أنّه كان في مقدوره أن يعدمه بمِئة حجّة وحجّة!!
يقول وحشي: فكنت أتنكّب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث كان؛ لئلّا يراني، حتّى قبضه الله (صلى الله عليه وآله).
فلمّا خرج المسلمون إلى قتال مسيلمة الكذّاب خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلمّا التقى الناس رأيت مسيلمة الكذّاب قائماً في يده السيف، وما أعرفه، فتهيّأت له وتهيّأ له رجل من الأنصار من الناحية الأُخرى، كلانا يريده فهزرت حربتي حتّى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت فيه، وشدّ عليه الأنصاري فضربه بالسيف.
هذا هو ما ادّعاه وحشي، بيد أنّ هشام قال في (السيرة النبوية: ج٢/ص٧٢ و٧٣): بلغني أنّ وحشيًّا لم يزل يُحدُّ في الخمر حتّى خلع من الديوان.
السعيُ في أعمال البرّ ونفع النَّاس
حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) وشهادته