العقل سر الغنى
2025/04/02
175

في وصية الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم: «يَا هِشَامُ، مَنْ أَرَادَ الغِنَى بِلَا مَالٍ، وَرَاحَةَ القَلْبِ مِنَ اَلحَسَدِ، وَاَلسَّلَامَةَ فِي اَلدِّينِ، فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اَلله عزّ وجلّ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكَمِّلَ عَقْلَهُ، فَمَنْ عَقَلَ قَنعَ بِمَا يَكْفِيهِ، وَمَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ اِسْتَغْنَى، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ لَمْ يُدْرِكِ الغِنَى أَبَداً».

اعلَمْ أنَّ الغنى نوعان: نوع ممدوح، ونوع مذموم.

أمَّا الممدوح: فهو ما يقتصر على سدِّ الحاجة والقوت اليومي للمعيشة، مع القناعة به، بحيث يستغني صاحبه عن ما في أيدي الناس، وهو ممدوح عقلاً ونقلاً، وكذلك الأموال الكثيرة التي ينفقها صاحبها في الخيرات، ويزهد فيها بحيث لا يعبأ لو فقدها.

وأمَّا المذموم: فهو الغنى المعروف بين أهل الدنيا من جمع الأموال وادِّخارها وتكثيرها فوق الحاجة دون إنفاقها في سُبُل الخير، ودون الزهد فيها.

والمراد من الغنى هاهنا هو الأوَّل الممدوح.

«وَرَاحَةَ القَلْبِ مِنَ اَلحَسَدِ» أي: راحة القلب عن تمنِّي ما في أيدي الناس من الأموال والخيرات، بحيث يرجو زوالها منهم، ويظلُّ مغموماً حزيناً حاسداً إياهم لعدم امتلاكه ما يمتلكون، وهو من أقبح الصفات وأذمّها وأخطرها، والقناعة بما في اليد أكبر علاج لها.

فمن أراد السلامة منها، وأراد أيضاً: «اَلسَّلَامَةَ فِي اَلدِّينِ» من الآفات النفسانيَّة كالحسد والمفاسد التي قد يجرُّه إليها حسدُه للناس وطمعه فيما عندهم، «فَلْيَتَضَرَّعْ» أي يتوسَّل ويتذلَّل ويبالغ في السؤال وإظهار الفقر والخضوع «إِلَى اَلله عزّ وجل فِي مَسْأَلَتِهِ» والطلب منه «بِأَنْ يُكَمِّلَ عَقْلَهُ»؛ لأنَّه مع كمال العقل لا يبقى مجال لهذه الآفات السيِّئة.

«فَمَنْ عَقَلَ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ» فيصير أغنى الناس؛ لأنَّه لن يطلب تكثير المال وزيادة الدنيا حينئذٍ، «وَمَنْ قَنعَ بِمَا يَكْفِيهِ اِسْتَغْنَى» عن الناس وما في أيديهم، فلن يحسد أحداً على ماله، وسيخلو قلبُه من الغمِّ، وسيسلم دينُه من المفاسد التي يجرُّه إليها الحسد وعدم القناعة.

«وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ لَمْ يُدْرِكِ الغِنَى أَبَداً»؛ لأنَّه سيظلُّ ساعياً إلى تكثير أمواله مهما كثرت، وبالتالي سيبقى محتاجاً ولن يستغني، وهو المشاهد في حال بعض الأثرياء على مدى العصور، وكيف أنَّ ثرواتهم تصل إلى حدٍّ هائل عجيب ولكنَّهم مع ذلك لا يقنعون ولا يكتفون، بل يظلُّون مهمومين مشغولي البال في سبيل تكثيرها وزيادتها.

 

✍️ السيد جواد الموسوي الهندي

 

__________________________________________
نشرة الكفيل /نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1014

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا