التوبة في ضوء القرآن وشهر رمضان
2025/03/03
102
التوبة في ضوء القرآن وشهر رمضان

إن التوبة باب واسع فتحه الله سبحانه وتعالى لعباده، فهي تجديد للعهد مع الله وفرصة للتخلص من الذنوب والعودة إلى طريق الهداية. وقد أولى القرآن الكريم التوبة اهتماماً عظيماً، فذكرها في مواضع متعددة مؤكداً رحمة الله الواسعة وقبوله لعباده التائبين. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222)، فهذه الآية الكريمة تعبر عن مدى محبة الله لمن يعود إليه نادماً مستغفراً، ليبدأ صفحة جديدة نقية من الذنوب.
ومن عظيم فضل الله على عباده أن جعل لهم مواسم مباركة تعينهم على التوبة وتفتح لهم أبواب القرب منه، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الكريم.. فهذا الشهر المبارك ليس وقت للصيام عن الطعام والشراب فحسب، بل هو فرصة ذهبية لمراجعة النفس والتطهر من المعاصي والذنوب؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)،
 وهذه الآية توضح أن الصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتقوى لا تتحقق إلا بالتوبة النصوح التي تصفي القلب وتعيد الإنسان إلى طريق الله المستقيم.
وفي شهر رمضان العظيم تتضاعف الحسنات، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، مما يجعل النفس أكثر استعداداً للعودة إلى الله بصدق وإخلاص. ولهذا نجد أن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) كان يؤكد على أهمية التوبة في شهر رمضان، ففي خطبته المشهورة التي استقبل بها الشهر الكريم قال: «هو شهر دُعِيتُم فيه إلى ضيافة الله، وجُعِلتُم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسُكم فيه تسبيح، ونومُكم فيه عبادة، وعملُكم فيه مقبول، ودعاؤُكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي مَن حُرِمَ غفران الله في هذا الشهر العظيم» (الأمالي، للشيخ الصدوق (رحمه الله): 154).
وإذا كان شهر رمضان فرصة للتوبة، فإن ليلة القدر المباركة فيه تمثل ذروة هذه الفرصة، فهي الليلة التي يقدر فيها مصير الإنسان للعام القادم، ويقول الله عنها: ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 3)، وفيها تتنزل الملائكة بالرحمة والمغفرة لمن أخلص في توبته ودعائه.
وإن التوبة الحقيقية ليست كلّمات تُقال فحسب، بل هي موقف إيماني يتطلب الندم على الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، ورد الحقوق إن كانت هناك مظالم. وقد بين القرآن هذا المنهج في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (الفرقان: 70)، فالتوبة لا تمحو الذنوب فحسب، بل يمكن أن تحولها إلى حسنات إذا كانت صادقة ومصحوبة بعمل صالح.
فليكن شهر رمضان بداية صفحة جديدة، صفحة توبة صادقة، وصفحة عمل صالح، وصفحة قرب من الله لا يشوبها التفريط ولا التهاون، حتى يكون العبد من الفائزين برحمة الله في الدنيا والآخرة.

✍️ الشيخ حسين التميمي

__________________________________________

نشرة الكفيل /نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1010.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا