وهْم المعرفة!
2025/01/22
4

وهْم المعرفة!

تختلف المناهج العلمية وتنقسم إلى اتجاهات ومشارب، ولكن الجامع لها في الغالب: رصانة البحث وعمق الاستدلال وعلو البرهان، وهذا ما يميز حوزاتنا العلمية على طول الخط الزمني منذ التأسيس ومروراً بالعصور المختلفة وإلى أيامنا هذه، ولكن عندما يتصدى أنصاف المتعلمين إلى المشهد تجد أنّ التشويه ينحت وجه المعرفة ويغير معالمها!! 
إنّ أهل العلم صنفوا جملة من العلوم والمعارف على أنّها (مبنائية) بمعنى أنّ لها أكثر من استدلال ومبنى وطريق يمكن الوصول عبره للحقائق، ومن تلك العلوم: (علم رجال الحديث)، الذي عدّه جمهرة من علمائنا على أنّه من مقدمات الاستنباط الشرعي، وهو يختلف -بطبيعة الحال- إلى عدة اتّجاهات ومشارب، فيحقِّق الأسانيد وأحوال رجال الحديث، ولكن ليس هو تمام الاستنباط في المسألة! بل جزء يتبع أجزاءً أخرى، فعندما نُضعِّف رواية معينة -على فرض ضعفها- فإنّ فكرتها قائمة بعشرات الروايات المؤيدة، فيحصل بذلك تواتر على صحتها، ولم يقف الاستدلال بذلك على الأخبار، بل يتعداه إلى سيرة المعصومين (عليهم السلام) وسيرة المتشرعة القائمة على اعتبار هذا المنهج!
فإذا فقدنا كلّ السبل المؤيدة للاستدلال على هذا المبنى ولم يبقَ سوى هذا الخبر، فيُبحث على أنّه أخبار آحاد، وله حينها عدة مستويات وأحكام، أما (التدليس على الناس) فهذا مجرد عبث للوصول إلى مآرب معينة! 
فمثلاً إذا أثبتنا على سبيل الفرض -وهو ليس كذلك- ضعف خبر سدير بن حكيم الصيرفي الكوفي (رحمه الله)؛ بسبب عدم اعتبار تفسير القمي لعلي بن إبراهيم (رحمه الله)، يبقى أن له أخباراً في مصنفات أعلى، والنقاش في تفسير القمي غير النقاش في نفس سدير! وإّن ترجيح الأقوال عن طريق اتباع الهوى وخلفيات معينة لا يُصيّرهُ حسب الضوابط (علمياً)!

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد1003.



✍️ الشيخ أحمد صالح آل حيدر

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا