إعطاء النعم ضمن مراسيم
خاصة
عندما يريد الحق تعالى إعطاء نعمة
ثقيلة فإنَّه يُعطيها وفق مراسيم وطقوس خاصة تليق بها، والقرآن
الكريم ذكر شواهد تثبت هذه الحقيقة:
- فعندما أراد أن يهب يحيى لزكريا
(عليه السلام) أمره بالصوم عن الكلام لثلاث أيام؛ ليستغرق خلالها
بالانقطاع إلى الحق تعالى وشكره على نعمته.
- ومريم ابنة عمران (عليها السلام)
كذلك عندما أُعطيت عيسى (عليه السلام) صامت عن الكلام كصوم زكريا من
قبلها.
- وكذلك نبينا الأكرم (صلى الله
عليه وآله) عندما أراد الحق تعالى إعطاءه فاطمة الزهراء (عليها
السلام)، وهي الكوثر، أمره عن طريق جبرئيل (عليه السلام) باعتزال
كلِّ الناس بما فيهم السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) والتفرغ
للعبادة؛ استعداداً للمعراج السماوي واستلام تفاحة
الفردوس..
فأول سورة الكوثر: فضلٌ إلهي يتمثل
بإعطاء النبي (صلى الله عليه وآله) خيراً كثيراً.
وثانيها: أمرٌ بالصلاة
والنحر.
وثالثها: إخبارٌ وطمأنينة وبشرى
للحبيب المختار.
وبعد التأمل في آيات القرآن نجد
أنَّ ثلاثية سورة الكوثر ثلاثية وتر لم تتكرر مفرداتها في مورد
قرآني آخر، بمعنى أنَّ كلمة (أَعْطَيْنَاكَ)، و(الكَوْثَرَ)،
و(فَصَلِّ)، و(انحَر)، و(شَانِئَكَ)، و(الأَبْتَرُ)، لم ترد في
القرآن إلَّا في هذه السورة المباركة، فالمرأة الأوحديَّة التي
خُصَّ ذكرها بمفردات أوحديَّة لا نظير لها، هي سيدة نساء العالمين
من الأوّلين والآخرين فاطمة (عليها السلام)، ولم يقاسمها أحد بفضل
هذا المقام الرفيع.
في سورة النصر أمر الحق تعالى نبيه
الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالتسبيح مع عظمة هذا الحدث الكوني
(النصر)، في حين أنّه أمره بالصلاة والنحر عند إعطائه فاطمة الزهراء
(عليها السلام)، والتسبيح يُمثل جزءاً من أجزاء الصلاة، فالصلاة
تكون هي الكل الأكبر..
فما هي عظمة الصِّدِّيقة الكبرى
(عليها السلام) وثقل نعمتها التي جعلت الحق تعالى يأمر حبيبه (صلى
الله عليه وآله) بالصلاة والنحر شكراً لها، واكتفى بالتسبيح في مورد
النصر الإلهي الكوني؟!
ولِـمَ لا، وهذا النصر الإلهي لن
يتحقق إلّا على يد ولد الزهراء الإمام المهدي (عجّل اللهُ
فرجَهَ)!!
إنَّ هناك فضائل كثيرة عدداً وعظيمة
وثقيلة كيفاً ونوعاً..
فعلى سبيل المثال ضربة أمير
المؤمنين (عليه السلام) في غزوة الأحزاب كانت واحدة من حيث العدد
ولكنها كانت عظيمة كيفاً، بدليل أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله)
عادلها بعبادة الثقلين..
أما بالنسبة لمناقبه (عليه السلام)
فقد ملأت الخافقين بالرغم من إخفائها حقداً وكرهاً من قبل مبغضيه،
وخوفاً وخشيةً من شيعته ومواليه، وهذا دليلٌ على كثرتها
العددية.
والأمر ذاته سار في فضل حليلته
الصِّدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهي خيرٌ كثيرٌ
عدداً؛ لأنّها الكوثر، وخير ثقيل كيفاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد1003.
✍️ الشيخ زمان الحسناوي