اقلام على خطى الزهراء (عليها السلام)
فاطمة (عليها السلام)روح الله
✍ بيان مجيد المگصوصي.
الروح: (مصطلحات) جسم نوراني لطيف ينفذ إلى الأجساد الصالحة فتظهر آثاره فيها، أي تظهر فيها الحياة.
معنى كلمة الروح:
الروح كلمة ذات طابع فلسفي يختلف كثير من الباحثين والدارسين في تحديد تعريف موحد لها، أو تحديد ماهيّة الروح على صعيد الفلسفات والأديان المختلفة. ومع ذلك، أجمع الكثيرون على أنها ذات قائمة بنفسها، ذات طبيعة معنوية غير محسوسة أو ملموسة، وهناك رأي آخر يعتبر الروح مادةً (أثيرية أساسية) وهي من الخصائص المعجزة والفريدة في جميع الكائنات الحية.
حسبما ذكرت الأديان والفلسفات المختلفة، فإن الروح مخلوقة من جنس لا يوجد له نظير في العالم المحسوس (الموجودات)، وإنّ هذه الروح هي أساس الوعي والشعور والإدراك، واستنادًا إلى المعتقدات الدينية، فإن الروح تختلف عن النفس.
- عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام):
سألته عن قول الله (عز وجل): وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، ما الروح؟ قال:(التي في الدواب والناس)
قلت: وما هي؟ قال (هي من الملكوت، من القدرة) ومن أسرار ليلة القدر أن تتنزل الملائكة والروح فيها، فما هي الروح في القرآن الكريم؟ وردت كلمة الروح في القرآن الكريم بمعانٍ كثيرة، منها:
1-قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي أن الروح أمر خاص بالله تعالى، وأمرها إليه، كثيرون فسّروا هذه الآية كإشارة إلى أن الروح سرٌّ لا يُمكن الخوض في تفاصيله، لكن الآية توضح أنها من أمر الله ولم تقل إنها من سره، فهناك أمور كثيرة أمرها إلى الله مثل الموت والقرآن الكريم.
فقوله تعالى (هي من أمر ربي) لا يعني حرمة السؤال عنها، بل يدل على عظمة الروح وتكفل الله بأمرها.
2-قال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا) في هذه الآية، يظهر أن الروح كيان عظيم منفصل عن الملائكة.
وقد اختلف المفسرون في معناها:
- قيل إن الروح خلق من خلق الله، على هيئة بني آدم، ليسوا بشرًا ولا ملائكة.
- قيل إنها ملك من الملائكة، أعظم خلقًا من جبرائيل وميكائيل، يقوم وحده يوم القيامة.
3- قال تعالى (وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) قيل إن الروح ملك عظيم كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو مع الأئمة عليهم السلام، كما ورد في تفسيره تعالى:(أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ...)
مما سبق نستنتج أن:
الروح خلق عظيم من خلق الله، وهي ليست من جنس الملائكة لأن النصوص القرآنية فرّقت بينهما في مواضع متعددة مثل قوله تعالى:(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)، و(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا).
والخبر القائل إن الروح ملك عظيم ضعيف؛ لأن أعظم الملائكة هو جبرائيل (عليه السلام)، وقد ورد في أحاديث متعددة تبيانًا لذلك.
إرشاد القلوب:
عن أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: افتخر إسرافيل على جبرائيل، فقال: أنا خير منك، قال: ولِمَ أنت خير مني؟ قال: لأنني صاحب الثمانية حملة العرش، وأنا صاحب النفخة في الصور، وأنا أقرب الملائكة إلى الله تعالى، قال جبرائيل: أنا خير منك قال: بما أنت خير مني؟ قال: لأنني أمين الله على وحيه، وأنا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين، وأنا صاحب الخسوف والقذوف، وما أهلك الله أمة من الأمم إلا على يدي فاختصما إلى الله تعالى، فأوحى إليهما (اسكتا، فوعزتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما)
قالا: يا رب، أو تخلق خيرًا منا ونحن خلقنا من نور؟
قال الله تعالى: نعم، وأوحى إلى حجب القدرة: انكشفي، فانكشفت، فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب: لا إله إلا الله، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
فقال جبرائيل: يا رب، فإني أسألك بحقهم عليك إلا جعلتني خادمهم، قال الله تعالى: قد جعلت.
النتيجة:
الروح خلق عظيم من خلق الله، يحمل صفات لا نظير لها في العالم المحسوس، هي سرٌ من أسرار القدرة الإلهية، مرتبطة بمفاهيم الحياة والوعي والوجود، تميّز الإنسان والكائنات الحيّة عن الجماد، وتعكس عظمة الخالق سبحانه وتعالى.
أولًا:
بحسب المعطيات، فإن الروح خلق أعظم من الملائكة، وبناءً على رواية أخرى، فإن جبرائيل، وإسرافيل كانا أعظم الملائكة، وأن أهل البيت أعظم من جبرائيل حتى إنه طلب أن يكون خادمهم. ومن خلال المبحث، قد تكون الروح هي روح محمد وآل محمد (عليهم السلام) ولقد أثبتنا في الجزء الأول أن روحهم وحقيقتهم واحدة.
ثانيًا:
ومن المعطيات في أحاديث وروايات المعصومين (عليهم السلام)، فإن نطفة الزهراء (عليها السلام) انعقدت في ليلة الإسراء والمعراج، وكان ذلك في شهر رمضان، في إحدى ليالي القدر ومن خلال ما مرَّ من تفضيل أهل البيت (عليهم السلام) على الملائكة، نستنتج أن الروح هي فاطمة (عليها السلام) وهذا أيضًا لا يتعارض مع الفرضية الأولى؛ لأن الله في حديث الكساء قال:(هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها)، أي إنهم نور وحقيقة واحدة.
قد يعترض القارئ الكريم على بعض الأمور، منها:
1-قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي إن أمر الروح إلى الله تعالى، وهو وحده المتكفل بها والمدبر لأمرها. ومن الروايات، نعلم أن الزهراء (عليها السلام) من مقاماتها أن الله ربط رضاها وغضبها برضاه وغضبه تعالى، أي إن أمرها إلى الله تعالى فما الإشكال في أن يكون أمر الزهراء (عليها السلام) إلى الله تعالى؟
2- قال تعالى:(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا)، بناءً على قول إن الروح ملك من الملائكة لم يخلق الله مخلوقًا أعظم منه، فإنه إذا كان يوم القيامة قام وحده، لا نجد في ذلك ما ينافي كون الزهراء (عليها السلام) هي الروح، ففي قصة مريم (عليها السلام) ودخولها المعبد، عندما أوحي لها بالآية: ( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 43]، دخلت المعبد وأدت عبادتها بين الكهنة الذين كانوا يؤدون طقوسهم ، فما الضير في أن تكون الآية قد أشارت إلى قيام الملائكة صفًا، والزهراء (عليها السلام) تقوم وحدها، كما مر في الحديث السابق؟
3- قال تعالى:(وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) في تفسير هذه الآية، أيّد الله النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بروح الله وبحسب أقوال الأئمة (عليهم السلام)، (نحن حجج الله على خلقه، وأمنا فاطمة حجة علينا) وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): (فاطمة روحي التي بين جنبي)، فلا ضير في أن يكون الله تعالى أيّد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بفاطمة (عليها السلام).
أما في تفسير الآية (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)، فجاء عن أهل البيت (عليهم السلام) قولهم: والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد (عليهم السلام)، والروح (روح القدس وهو في فاطمة (سلام الله عليها)، (مِن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ) يقول: من كل أمر مسلمة، (حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ) حتى يقوم القائم (عجل الله فرجه الشريف)، وأما قوله (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، يعني فاطمة (عليها السلام).
توضيح:
مما تقدم من تحليلات وروايات، أثبتنا أن الزهراء (عليها السلام) روح الله، وهي روح ليلة القدر، وهي روح القدس، وهي الروح بكل أقسامها، وكل روح مصدرها فاطمة (عليها السلام)، وتمتد طاقتها منها، فسيد الخلق حبيب الله النور الأول سيد الوجود محمد (صلى الله عليه وآله) يقول:فاطمة روحي التي بين جنبي.
فمن نحن وما أرواحنا أمام تراب أقدامها (عليها السلام)؟ ومن نعم الله علينا أن تستمد أرواحنا طاقتها من الزهراء (عليها السلام). فبها نرتقي ونسمو، وبها نطهر ونزكو.
فالشكر لله عليكِ يا مولاتي، والشكر لكِ على هذا المدد.
المصادر:
1. معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي.
2. البرهان99 -/6552.
3. مجمع البيان ج: 10 ص: 647.
4. تفسير القمي ج2/ص358.
5. بحار الأنوار للمجلسي الجزء 26 ص344 – 345.
6. تأويل الآيات 2: 818.
7. نفس المصدر.
___________________________________________
مقالات مسابقة اقلام على خطى الزهراء (عليها السلام) التي اطلقها مركز الثقافة الاسرية التابع للعتبة العباسية المقدسة.مقالا
الزهراء (عليها السلام) أُسوة وقدوة