التعامل الحذر مع النفس! ينبغي للإنسان تأصيل الحذر تجاه نفسه
بمعنى ألّا يثق بها تمام الثقة، وذلك بأن يبني على أنّه سيقاوم مشاهد
الإغراء في أيّة بيئة ومهما كانت الظروف، سواء كان ذلك اعتماداً على
أصله ونسبه أم تربيته أم نحو ذلك، فالانزلاق إلى الخطأ والخطيئة أمر
مشهود في حالات من هذا القبيل وفق حوادث الحياة، والطبيعة الإنسانية
في جميع الناس في أصلها طبيعة واحدة فيما تختزنه من دوافع وتحتمله من
خطوات ويمكن أن تؤدي إليه من نتائج، ورُبّ رغباتٍ كامنة لم تفصح عن
نفسها حتى للإنسان نفسه من جهة عدم وجود فرصة مواتية فتكون كامنة في
مرحلة اللاوعي، حتى إذا أمنت المحاذير ووجدت البيئة المناسبة تحفزت
على حين غرّة وغفلة من صاحبها فانساق وفقها وخضع لها فكانت نكسة قاتمة
تظلل على نفسه وحياته أبداً. ولأجل ذلك نهى الله سبحانه عن تزكية
المرء نفسَهُ، وحذّر منها ونبّه على أنّ هناك وراء ما يعلمه المرء عن
نفسه أبعاداً لّا يحيط بها إلا الله سبحانه، قال
سبحانه: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ (النجم: 32)، ولذلك كان الصالحون على وَجَلٍ
من أنفسهم وهم يكرهون الثناء عليهم في وجوههم، وقد قال الإمام علي
(عليه السلام) في خطبة المتقين مع ما وصفه بهم من صفات جليلة: «إِذَا
زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَه فَيَقُولُ، أَنَا
أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي ورَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي
بِنَفْسِي، اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ،
واجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ واغْفِرْ لِي مَا لَا
يَعْلَمُونَ» (نهج البلاغة: الخطبة: ١٩٣). إذن من المهم أن يحذر الإنسان من نفسه
بعض الحذر ولا يحسن الظن بنفسه في جميع الأحوال، وليجعل من نفسه
رقيباً عليها يرصد هواجسها وشواغلها وينتبه إلى تغير سلوكها، ويحذر من
تدحرجها إلى الاستجابة لجاذبيات الآخر ويُشعره بالخطر تجاه ذلك، فإن
وجد من نفسه استجابة لجاذبية الآخر مثلاً فإنّ ذلك منبّه لا بدّ من أن
يشعره بالخطر ولزوم المراجعة والمحاسبة. وليعلم الإنسان أنّه بنفسه سيختلف
تفسيره لحركاته وسلوكياته كلما كَبُر عمراً وزاد خُبراً وإحاطة بالنفس
الإنسانية ومراهقتها وكوامنها عبر اتساع الخبرة والوعي والتجربة، وقد
يتمنى لو تجنب العديد منها في حينه.. ومن حكمة المرء أن تكون أحواله
متناسقة وأن تكون أوّل أموره -ما تيسر- كآخرها.
✍️ السيد محمد باقر
السيستاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ
(مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1012.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري
تحدث معنا