بين رقّة الأرواح وطواف القلوب
2024/11/12
19
بين رقّة الأرواح وطواف القلوب

لا تطيب الحياة كما تستكنُّ بأوكارها، وتجد روحاً تشفي بلقائها روحها، وتجد عندها مرادها، تكلِّمها بلغة المحبّة، وتجذبها بجناح المودّة.

تقدِّم لها طعاماً تستلذّه لما تجد من طعم مذاقه في ذاتها، تقوى به وتستزيد من طاقتها، فتنتشلها من قاع الغفلة إلى القمّة لتكون على قدر إدراك الدقائق، تتساوى الأشخاص لأنّها أمام إمام القلوب، والحجر الأسعد الذي يلتقط للعقول ما يناسبها، وللطباع ما تعتدل به من حسن سمت وجودة غذاء، وكأنّه يرفعهم النقاء ليكونوا ممّن قال الله تعالى بحقِّهم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَـهُمْ﴾ (سورة محمد: 2).

تشاهد في وجوههم شوقَهم للقرب من حجج الله تعالى، فتتزاحم أرواحُهم على زيارته قبل أبدانهم، لا فرق إلّا بالتقوى وحسن التديُّن، ولا تفاضل بين الوافدين إلّا بحسن الالتزام، وتجد موازين الله تعالى بحضرته؛ لما تجد من رجاء الرحمة في عيونهم، وهي تنظر إلى من تجلّت أسماءُ الله الحسنى به، وهم ينتظرون الرحمة الواسعة، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر: 53)، فهم بين راجٍ وبين مستغفر ينتظر غفران ذنبه ومحو سيّئته.

كلُّ قسمات وجهٍ تراها تسمع بعينيك من ملامحها قولَه: 

أَغَيرُ حَيدرَةٍ أَرجو لِآخِرَتي 
 وهوَ الشَّفِيعُ اِذا بَابُ اللَّظى شُرِعاً

فهو مَن دار الحقُّ معَه، كما قال علّة الأكوان وسيد الكونين محمد (صلى الله عليه وآله) عن ثابت مولى أبي ذر، قال: دخلت على أُمِّ سلمة فرأيتها تبكي وقالت: سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ يومَ القيامةِ» (بحار الأنوار: ج٣٨/ص٢٩).

وكذلك ورد عن الأصبغ سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ويلٌ لمن جهل معرفتي ولم يعرف حقِّي، ألا إنّ حقِّي هو حقُّ الله، ألا إنّ حقَّ اللهِ هو حقِّي» (بحار الأنوار: ج٣٨/ص٢٩).

✍️ السيد رياض الفاضلي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد٩٩٥.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا