الصدق من محاسن المسلم
2020/06/13
561

إن الصدق أيتها الاخوات مطلوب من الإنسان، وواجب عليه أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله وعقيدته، والمرء إذا تعلق بشيء وتخلق به حقاً كان أو باطلاً عرف به وصار ممدوحاً به أو مذموماً، وخير ما يمدح به المسلم ويتصف به الصدق، وتجنب الكذب؛ لأن الصدق يجعل الإنسان في منزلة عالية عند الله وعند خلقه، والرسول (صلى الله عليه وآله) أمرنا بالصدق وحضنا عليه، ونهانا عن الكذب وحذرنا منه، وأوضح لنا منزلة الصدق والصادقين والكذب والكذابين.
قال (صلى الله عليه وآله): «إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً.

وهو الصدق في القول ماضياً كان أو مستقبلاً، وعدا كان أو غيره، ولا يكون في القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام، كما من معانيه القوة، والنقاء.

وهو اصطلاحاً: مطابقة القول – أو الفعل– الضمير والمخبر عنه، ومتى انخرم شرط في ذلك صدقا تاما، بل إما ألا يوصف بالصدق، وإما أن يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين.

ومن خير ما عرف به كذلك: أنه استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، بأن لا تكذب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.

ثم درجات الصدق لا نهاية لها، وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض فإن كان صادقاً في الجميع فهو الصديق حقاً. ومن أظهر درجات الصدق ما يلي:

والدرجة الأولى: صدق اللسان

وهذه المرتبة من الصدق من أعظم المراتب، وتكميلها من أعظم الأمور وأشقها على النفس، لكن ليس الصدق منحصراً فيها كما يظن كثير من الناس، وهذا النوع من الصدق يستلزم أموراً ثلاث منها:

- الصدق في نقل الأخبار كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. 

- اجتناب الظنون والأوهام: كما قال صلى الله عليه واله و سلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث". 

- الحذر من التحدث بكل ما يسمع: كما قال (صلى الله عليه وآله): «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع".

واما الدرجة الثانية: الصدق في النية والإرادة

يستلزم أن تكون بواعث الأعمال والسكنات كلها لله عز وجل، وأن يكون الظاهر معبراً عن الباطن، فإن تكلم العبد بلسانه خلاف ما في قلبه فهذا يدل على عدم الصدق في النية كما قال الله عز و جل في وصفه المنافقين: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾. 

الدرجة الثالثة: الصدق في العمل

وهذا يستلزم أن يجاهد الإنسان نفسه لتكون سريرته وعلانيته واحدة، وألا تدل أعماله الظاهرة على أمر باطن لا يتصف به حقيقة كمن يتظاهر بالخشوع في الظاهر، والقلب ليس كذلك.

الدرجة الرابعة: الصدق في الوعد والوفاء به

سواء كان هذا الوعد على مكان معين، أو في زمان معين، أو على أعطية، أو زواج، أو أي أمر آخر يعد به الرجل أخاه، فالصدق في القول يستلزم الوفاء بها وعدم إخلافها مهما كانت الظروف، وللأسف الشديد فإن هذا النوع من الصدق في القول لا زلنا نفتقده كثيراً في واقعنا، وقل من يحرص عليه، وبالإضافة إلى أن الصدق هو أساس الفضائل النفسية، فهو ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية، بل هو أكبر أبواب السعادة للأفراد وللأمة، فحسبك مثلا في المعاملات المادية أن ترى نفسك مسوقا حين تريد ابتياع سلعة أن تفتش عن التاجر الذي عرف بالصدق.

ولعل أصدق ميزان لرقي أمة من الأمم  مستمعاتي هو صدق أفرادها في أقوالهم وأعمالهم، وإنها لأزمة كبيرة تلك التي يعاني منها الناس في تعاملهم عندما يفقدون الثقة فيما بينهم لأنهم يفقدون خلق الصدق، وينتشر بينهم خلق الكذب: الكذب في الأقوال، والكذب في الأعمال، والكذب في النيات، فليس غريباً إذن أن تقف الشرائع كلها مشددة في خلق الصدق، منكرة رذيلة الكذب، فلننظر أخواتي كيف يعلّم الرسول (صلى الله عليه وآله) الأمهات والآباء أن ينشّؤوا أولادهم تنشئة يحترمون فيها الصدق ويتنزهون عن الكذب، ولو أنه تجاوز عن هذه الأمور وعدّها من التوافه الهيّنة كما يظنها بعض المسلمين، لو تجاوز عنها لخشي أن يكبر الأطفال وهم يعدون الكذب ذنباً صغيراً، وهو عند الله عظيم.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج قناديل وضاءة- الحلقة الثانية عشرة- الدورة البرامجية56.


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا