الراحمون يرحمهم الرحمن
2020/06/09
641

الرحمة انفعال خاص يعرض على القلب عند مشاهدة النقص أو الحاجة، فيندفع الإنسان إلى رفع ذلك، فعندما يشاهد الإنسان يتيماً يرتجف من البرد أو فقيراً أضناه من الجوع أو مظلوماً يتلوى تحت سياط الظالمين تعرضه حالة الرقة، فيندفع لتغيير هذا الواقع، وهذه هي الرحمة.

ولكن الله سبحانه ليس محلاً للحوادث - كما ثبت في علم الكلام، فإذا أطلقت هذه الكلمة على الله سبحانه أريد بها العطاء والإفاضة لرفع الحاجة، ومن هنا قيل: "خذ الغايات واترك المبادئ،" فالرحمة لها "مبدأ" وهو الوصف الانفعالي الخاص الذي يعرض على القلب و"منتهى" وهو العطاء والإفاضة، فإذا أطلق هذا الوصف على الله سبحانه أريد بهم "غايته" لا "مبدؤه" (وهكذا بالنسبة إلى الصفات الأخرى التي هي من هذا القبيل).

وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): "وأما الغضب فهو منا إذا غضبنا تغيرت طبايعنا، وترتعد أحيانا مفاصلنا، وحالت ألوننا، ثم نجيء من بعد ذلك بالعقوبات، فسمي غضباً، فهذا كلام الناس المعروف، والغضب شيئان أحدهما في القلب، وأما المعنى الذي هو في القلب فهو منفي عن الله جل جلاله، وكذلك رضاه وسخطه ورحمته على هذه الصفة."

وفي نهج البلاغة أن أمير المؤمنين قال: "رحيم لا يوصف بالرقة"، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن الرحمة وما يحدث لنا منها شفقة ومنها جود، وإن رحمة الله ثوابه لخلقه، وللرحمة من العباد شيئان، أحدهما يحدث في القلب: الرأفة والرقة لما يرى بالمرحوم من الضر والحاجة وضورب البلاء، والآخر ما يحدث منا بعد الرأفة واللطف على المرحوم والمعرفة منا بما نزل به، وقد يقول القائل: 'انظر إلى رحمة فلان'، وإنما يريد الفعل الذي حدث عن الرقة التي في قلب فلان، وإنما يضاف إلى الله عز وجل من فعل ما حدث عنا من هذه الأشياء، وأما المعنى الذي في القلب فهو منفي عن الله كما وصف عن نفسه، فهو رحيم لا رحمة رقة".

فما أعظم نعمة الله على عبده  اخواتي إذا وفقه للإحسان لنفسه بفعل كل عملٍ صالحٍ، ووفقه للإحسان إلى خلق الله بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فذاك الذي فاز بالخيرات، ونجا من المهلكات، قال الله تعالى: (وسارعوا إلى مغْفرةٍ منْ ربكمْ وجنةٍ عرْضها السماوات والْأرْض أعدتْ للْمتقين  الذين ينْفقون في السراء والضراء والكاظمين الْغيْظ والْعافين عن الناس والله يحب الْمحْسنين)، ألا وإن الأخلاق الفاضلة، والصفات الحسنة الحميدة لها عند الله تعالى أعظم المنازل، يثقل بها الميزان يوم الحساب، ويزكو بها الكتاب.

إن الرحمة اخواتي الكريمات  من الخلق العظيم أودعها الرب في من شاء من خلقه، وحرمها الشقي من الخلق، وقد رغب الإسلام في التخلق بالرحمة، ووعد الله على الرحمة الأجر الكريم، والسعادة الدنيوية والأخروية.

فقال تعالى في خاتم الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – نبينا محمدٍ – صلى الله عليه واله وسلم – وفي أمته: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الْكفار رحماء بيْنهمْ تراهمْ ركعًا سجدًا يبْتغون فضْلًا من الله ورضْوانًا) ومن ثواب الله للرحماء: أن الله يرحمهم، ومن رحمه الله لا يشقى أبدًا. عن عبد الله بن عمرو بن العاص(رضي الله عنهما) عن النبي– صلى الله عليه وآله وسلم – قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» ومن لا رحمة في قلبه فهو جبار شقي. 

وتطيب الحياة وتصلح وتزدهر بالتراحم والتعاطف بين المجتمع، وتشقى المجتمعات بالتظالم والعدوان وفقدان التراحم، والرحمة من أعظم خصال الإيمان، وأجل أنواع الإحسان. والرحمة هي: رقة القلب في المكلف، توجب بذل الخير ونفع المرحوم، وكف الأذى عنه.

وهي صفة كمالٍ في المكلف اتصف بكمالها نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وغيره من البشر دونه في هذه الصفة العظيمة، وفقد صفة الرحمة في المكلف نقص وعيب يدخل عليه بسبب فقدها من الشرور والآفات ما لا يحيط به إلا الله.

وأما صفة الرحمة لرب العالمين فنثبت معناها وحقيقتها على ما يليق بالله – عز وجل -، والنعم كلها في الدنيا والآخرة من آثار رحمة الله، تدل هذه النعم على رحمة الله الموصوف بها أزلاً وأبدًا، كما يجب له – سبحانه – ويليق به. قال الله تعالى: (فانْظرْ إلى آثار رحْمت الله كيْف يحْي الْأرْض بعْد موْتها) ومن فسر رحمة الله بالثواب أو النعم فهو مخالف لما عليه السلف الصالح؛ فرحمة الله لا تشبه رحمة المخلوق، كما أن ذات الله تعالى لا تشبه أحدًا من المخلوقات.
والرحمة في الإسلام اخواتي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى ببذلها لكل ما هو أهل لها حتى البهائم. 

وقد جاءت الشرعية بوجوب رحمة الضعفاء والمساكين والأيتام والمحتاجين، وبوجوب بذل الرحمة لكل أحدٍ هو لها أهل، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!». 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قناديل وضاءة- الحلقة الثامنة- الدورة البرامجية56.




تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا