مصدر القوة
2024/08/03
65

مصدر القوة

فُطر الفرد الإنسانيّ على الحاجة للقوّة التي لا يقهر معها؛ لما تتطلّبه الحياة بذل الوسع في تحصيل ما يكون كفيلاً بعيش الإنسان على الوجه الذي يحسّنه العقل وترضاه الشريعة وعليه سيرة العقلاء، والإنسان بطبيعته يميل لما يحميه، فهو الباحث عن القوّة التي يستند عليها، ليصل إلى ما يحصنه من العدو والأخطار التي تحدث في حياته.
والقرآن الكريم بيّن ذلك في آياته الكريمة: 
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ (النساء: 175)، وأنّ القوة لله سبحانه كما في قوله تعالى: ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بالله﴾ (الكهف: 39)، والعزّة له سبحانه كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً﴾ (يونس: 65)، وأنّ من لا يعتصم بالله تعالى ويطلب القوّة منه لا يحصل على قوّة حقيقيّة، فهي لا توجد عند فرد إلّا من الله سبحانه.
والمعتصم بالله تعالى هو المؤمن الذي خاطبه القرآن الكريم بقوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ..﴾ هؤلاء هم من يحصلون على القوّة الحقيقيّة التي لا مثيل لها ولا معطي لها إلّا الله تعالى، لا يستشعرها ويرحم بها إلّا من آمن بالله تعالى.
والمعتصم بالله تعالى هو المؤمن الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو الذي يقف مع المعروف حتى ينصره، ومن اعتصم بالله تعالى هو من عرف أنّ لا مؤثّر في كون سواه تعالى، فهو المؤمن الذي لا ينفك عن الشجاعة لعلمه بمصدر القوة الحقيقيّة التي لا تُبقي في قلبه جُبناً ولا بخلاً، فالبخيل هو من لا يعرف مصدر القوّة الحقيقيّ الذي لا يزيد الكريم إلّا مدداً.
والمؤمن الذي يعتصم بالله تعالى هو المتواضع؛ لأنّه يدرك أنّ التكبر لا يجلب عزّة وقوّة، ومن يقول غير ذلك فهو واهم، والمؤمن المعتصم بالله تعالى من يبذل وسعه في التفقّه بأمر الله تعالى ونهيه حتى لا تسلب منه تلك القوّة، فيكون من المذنبين الذين سُلبت منهم القوّة ففقدوا حتى الإرادة، وهكذا يدخل من يعتصم بالله سبحانه في رحمة من الله تعالى ويهديه ربّه للصراط المستقيم الذي هو حقّ.
يرحمه الله تعالى عندما تراه صابراً محتسباً لا ينظر لما متّع الله به العباد من النعم الكثيرة، ولا يشتغل برصد عيوب الآخرين ليعيّرهم بها في يوم ما، إنّما شغله عيبه عن عيب غيره، وكذلك يمدّ الله تعالى من يعتصم به بالصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية.
ومن يرحمه الله تعالى بسبب اعتصامه بالله تعالى هو من يبذل كلّ وسعه في تحصيل رضا الله تعالى وحججه (عليهم السّلام أجمعين) فيكون من المرحومين الذين يرحمهم الله سبحانه ويلطف بهم حسب ما تجري عليه الأسباب الطبيعيّة التي تجري على طبقها الأسباب، فالاعتصام بالله تعالى هو الباب الذي لا يخيب من تمسّك بعروتها واستمسك بها ولم يتخلَّ عنها.
وإنّ شئت أن ترى هذه القوّة فاطلب حياة الأنبياء والمرسلين والمعصومين من أهل البيت (عليهم السلام)، لترى قوّتهم في حياتهم تحت الظروف المختلفة والحوادث المتعدّدة، وخذ سيرة سيّد الشّهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ومواقفه التي لا تعدّ ولا تحصى في الثبات والصبر وشدّة البأس على أعداء الله تعالى، وفي آخر لحظاته تجده يدعو الله تعالى كما في دعائه الذي دعا به في أرض المعركة التي رسمت للتاريخ حدوده، وكذلك عندما حاصره الأعداء وهم ألوف وهو وحده وتر موتور.
 يُروى‌ عن‌ سيّد السّاجدين‌ وزين‌ العابدين‌ (عليه السلام) أنّه‌ قال‌:"لَمَّا صَبَّحَتِ الخَيْلُ الحُسَيْنَ (عليه السلام)، رَفَعَ يَدَيْهِ وقَالَ: اللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي‌ فِي‌ كُلِّ كَرْبٍ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي‌ فِي‌ كُلِّ شِدَّةٍ؛ وَأَنْتَ لِي‌ فِي‌ كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي‌ ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الفُؤَادُ وَتَقِلُّ فِيهِ الحِيلَةُ وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ وَيَشْمَتُ فِيهِ العَدُوُّ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي‌ إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي وَكَشَفْتَهُ وَكَفَيْتَهُ فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَى‌ كُلِّ رَغْبَةٍ ". 
هكذا يصنع الودّ بأهله، والقدوات الكاملة هي مصدر العطاء الإلهي الذي يبهر الإنسان ويجبره على التفاعل معه والزيادة في مكانته في القلوب، وهذا كلّه الذي تراه من شجاعة أولياء الله سبحانه فهو من مدد الله سبحانه لهم بتلك القوّة التي تتناسب مع الحوادث التي تقع في حياة ذلك الفرد.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 980.

✍️ السيد رياض الفاضلي


 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا