إحسان الظن بالآخرين
2020/06/09
850

إن من شيم المؤمنين إحسان الظنون بعباد الله، فلا يتبعون سوء الظن إلا عند غلبة الشبهة، مع ذلك فلا يحققون سوء ظنهم، بل يحملون لإخوانهم أعظم المعاذير، وأجمل المحامل، فيقول الصالح لنفسه وقد بلغه عن أخيه سوءاً: لعل الخبر لا يثبت، لعلها نميمة وبهتان، لعل أخي المسلم الذي قيلت فيه القالة لم يقصد، لعله كان ناسياً، لعله كان غافلاً، لعله.. لعله.. فيستطيل في تلمس أعذار أخيه، فيروح وقد أراح فؤاده من حرارة الأحقاد، ووساوس المعاداة، فيكسب بذلك أربح التجارات، إذ قد ربح أجره، وربح راحة نفسه، وربح محبة الناس له، وربح النجح في أموره لحسن نيته، فالله شكور حميد، وربح حسن العاقبة في الدنيا، فكم ممن قصد الإضرار بعبد ثم تاب وأناب وشكر ذلك المضرور على إحسان ظن نفعه ولم يضره.

قال الله تبارك وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" قال بعض السلف: من جعل لنفسه من حسن الظن بإخوانه نصيباً، أراح قلبه. وقال رجل لمطيع بن إياس: جئتك خاطباً لمودتك، قال: قد زوجتكها على شرط أن تجعل صداقها ألا تسمع في مقالة الناس.

ومن رام النجاة أيتها الاخوات  فليأخذ بأسبابها، وليتعلق بعراها، وما ثم إلا توفيق الله تعالى وهداه، وقد جعل الله لذلك أسباباً فمنها:

أن يلتمس الأعذار للمؤمنين، فإذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذراً لا أعرفه. وفي التماس الأعذار راحة للنفس من عناء الظن السيئ، الذي يشغلها ويقلقها، وفيه أيضاً إبقاء على المودة، وحفاظ عليها من الزوال والانتهاء، وكان بعض الصالحين يردد:

تأن ولا تعجل بلومك صاحباً … لعل له عذر وأنت تلوم

ومنها: إجراء الأحكام على الظاهر، وإيكال أمر الضمائر إلى الله العليم الخبير، واجتناب الحكم على النيات، فإن الله لم يكلفنا أن نفتش في ضمائر الناس. لذا فالاكتفاء بظاهر الشخص، والحكم عليه من خلاله، من أعظم بواعث حسن الظن، وأقوى مثبتاته.

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه … وصدّق ما يعتاده من توهم

فإن الخطأ في حسن الظن بالمسلم، أسلم من الصواب بالطعن فيه، هذا وقد أجاز العلماء بعض صور سوء الظن، كمن بينه وبين آخر عداوة، ويخاف على نفسه من مكره، فحينئذ عليه أن يحذر مكائده ومكره؛ كيلا يصادفه على غرة فيهلكه. ومن ذلك من أظهر المعصية وتخلف عن الطاعة بلا عذر. 
اذن إن حسن الظن أخواتي هو القاعدة، وسوءه مع مبرره الملح هو الاستثناء، فإن انقلب الاستثناء قاعدة هلك الناس! فلا يحل لامرء مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها سوءاً، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجاً.

وقال الإمام علي بن أبي طالب"ع": "علم من أخيه مروءةً جميلةً فلا يسمعن فيه مقالات الرجال، ومن حسنت علانيته فنحن لسريرته أرجى".

فعلى المؤمن الناصح لنفسه أخواتي ألا يبحث لها عن المعاذير والمخارج، في إساءة الظن بما لم يؤذن له فيهم من المؤمنين، بل عليه أن يسيء الظن بنفسه، ويحسن الظن بالعباد، وقد حسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر فقال: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً”والمراد: النهي عن ظن السوء، هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يملك. وأن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه، ويستقر في قلبه، دون ما يعرض في القلب ولا يستقر، فإن هذا لا يكلف به.

ومن جميل الأقوال : الستر لما عاينت، أحسن من إذاعة ما ظننت، وقال أحد الزهاد الحكماء: ألق حسن الظن على الخلق، وسوء الظن على نفسك، لتكون من الأول في سلامة، ومن الآخر على الزيادة.

تكلم أحدهم على الحسن ثم ندم واعتذر؛ فعفا عنه وأوصاه بقوله: لا تخرجن من بيتك وفي نفسك أنك أفضل من مؤمن تلقاه قط.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قناديل وضاءة-الحلقة الرابعة-الدورة البرامجية56.

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا