التقوى
2020/06/08
395

إن الدنيا ايتها الاخوات مشوبة بالأكدار، مُحاطة بالأخطار، مليئة بالأضرار، الإنسان فيها مُعرّض للأذى والسوء والشر والفتنة والمحن، وإن عدنا للسبب فالغالب هو الإنسان نفسه، كما قال الله جلّ وعلا: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾. 

لكنْ هناك صنف من الناس أخواتي وعدهم الله (عز وجل) بوعد عظيم، هذا الصنف ما ألمّت فتنة ولا محنة إلا وكانت لهم المخرج، ما نزل بهم العسر إلا مع اليسر، ما ظهرت لهم كربة إلا وكشفها الله (عز وجل)ما ألمّت مُلمة فضاقت عليهم الدنيا بما رحبت إلا وجعل الله لهم فرجًا ومخرجًا؛ وقد جاء الأمر بالتقوى في القرآن الكريم أكثر من ثمانين مرة، فضلاً عن فضل التقوى وشرف المتقين وجزاء المتقين.

وقد ورد الأمر بالتقوى في القرآن بخمسة معانٍ:

الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾.

والثاني: بمعنى الطَّاعة، والعبادة: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾. 

أما الثالث: بمعنى ترك المعصية، والزَلَّة: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. أَى اتركوا خلاف أَمره.

والرابع: بمعنى التَّوحيد والشَّهادة: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾. 

والمعنى الخامس: الإِخلاص والمعرفة: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾. 

وعرّف الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) التقوى فقال: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. 
والمتقي أخواتي يعتبر فوقَ المؤمنِ والطائعِ، وهوُ الذي يَتقي بصالحِ عَملِهِ وخالصِ دُعائِهِ عذابَ اللهِ تعالى، وكان نبينا صلى الله عليه وواله سلم يوصي أصحابه في خطبه ومواعظه بالتقوى، وقد أمر الله عز و جل بها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.

إن تقوى الله (عز وجل) أيتها الأخوات هو مفتاح مغاليق القلوب، ومفتاح مغاليق العقول، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
وذلك أن من اتقى الله سبحانه وتعالى حق تقاته فلا بد أن يطهر قلبه من الفساد، ويعمره بالطاعة والعبادة، ويمتلئ القلب بمحبة ربه وتعظيمه، ويتفرغ للعبادة، ويتنزه عن محبة الدنيا وشهواتها وعن حب المعاصي وأهلها، فهناك يتقبل ما يسمعه وما يقرؤه من العلوم النافعة والفوائد العظيمة بحيث لا يزاحمها في قلبه ما يشغله عن تفهمها وتعقلها.

والتقوى طريق الهداية؛ فبتقوى الله ينشرح الصدر، وبتقوى الله يهتدي الضال وينشرح البال وبالتقوى اخواتي  يُقبل العمل وهي عنوان الكرامة؛ فبالتقوى يُصبح المرء كريمًا عند الله سبحانه وتعالى، فالمتقون درجات، وعلى حسب تفاوتهم في التقوى يتفاوتون في الكرامة، "فأكرم وأتقى فوق أن يقال كرامكم المتقون، لأن أكرم وأتقى يدل على تفاوت، فمن كان أتقى كان أكرم عند الله سبحانه وتعالى، ومن كان أصبر على ما يوجب التقوى كان أتقى".

وبالتقوى ينجو الإنسان من المهالك في الدنيا، وينجو في الآخرة؛ فالله عز و جل إذا نظر إلى العبد التقي وأراد هذا التقي أن يرتكب ذنبًا أو خطيئة جعل الله عز و جل له صارفًا أو مانعًا أن يقع فيها، قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.

كما أن تقوى الله سبب لحصول الخيرات والبركات من السماء والأرض، وهي سبب لمحبة الله عز و جل، ولنصرته التي حرم منها كثير من المسلمين، ومعية الله عزّ وجلّ على قسمين معية خاصة، ومعية عامة:

إن أهل الجنة أخواتي هم أهل التُقى، قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾،ومن ثمار التقوى أيتها الأخوات حفظ الذرية الضعاف بعد موت أبيهم التقي، قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾. 

وقال النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله سلم): «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، و«حيثما» هذه متعلقة بالأزمنة والأمكنة، يعني: في أي زمان كنت، وفي أي مكان كنت؛ لأن كلمة «حيث» قد تتوجه إلى الأمكنة، وقد تتوجه إلى الأزمنة، يعني: قد تكون ظرف مكان، وقد تكون ظرف زمان، وهي هنا محتملة للأمرين، فعلى المرء أن يتقي الله في عقله وقلبه وجوراحه، فإذا أرادنا أن نظفرَ بالتقوى ايتها الاخوات، وأن نكونَ من المتقينَ فعلينا  أن نُراعِي الأعضاءَ الخمسة، فإنهنَ الأصولُ: وهي العين، والأذن، واللسان، والقلب والبطن، فنحرص عليها بصيانتها من كل معصيةٍ وحرام، وأن نقيدها بطاعة الله سبحانه وتعالى.

 

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قناديل وضاءة-الحلقة الثانية- الدورة البرامجية56.

 

 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا