بلاغة اللغة العربية
2024/06/07
313

عرف علماء اللغة (البلاغة) في المعجم الوسيط بأنها حسن البيان وقوة التأثير، وتعني أيضًا الوصول إلى المعنى بكلام بليغ وتجب فيها مطابقة ومشابهة الكلام لمقتضي الحال مع فصاحته، وقد اشتهر العرب بفصاحة اللسان والقدرة على التعبير، واختيار الألفاظ الدقيقة ذات المعنى المباشر فقد كانوا قومًا مفوهين، عرفوا علم البلاغة الذي يعد واحدًا من العلوم الأدبية، التي انتشرت في العصر الجاهلي، حتى صب العرب اهتمامهم على علم البلاغة كونها الفيصل الوحيد على براعة الشعراء وإبداعهم، وقد كان لسوق عكاظ دور مهم في انتشار علم البلاغة، حيث يتجمع الناس في هذا السوق لعرض أعمالهم الأدبية والتبارز في المسابقات الشعرية، ويتم نقد أعمالهم وتحكيمها بواسطة شعراء قدامى يتميزون بقدرتهم الأدبية وحنكتهم البلاغية، فهم يقيمون الشاعر أو الأديب لقوة أسلوبه، وبراعته البلاغية، ويتم إعطاء الشاعر رتبة نظرًا لأعماله بعد تحكيم دقيق وقوي، وكانت القبائل تتباهى بشعرائها في عصر الجاهلية فاستخدموا الشعر والبلاغة في الهجاء والمدح والأفراح والأحزان.

ونجد أن كتاب نهج البلاغة أعظم أثرٍ ظهر في القرن الرابع الهجري وفيه كلام أمير المؤمنين عليه السلام، حيث كان هذا القرن بداية الغيبة الكبرى، إذ اهتمت الشيعة بتأليف الكتب لحفظ ميراث الأئمة عليهم السلام العظيم، وأنشأوا الحوزات العلمية الكثيرة بعد أن شكلت في هذا القرن أول دولة للشيعة على يد آل بابويه في سنة أربعمئة وثلاث وثلاثين للهجرة، بعد فتحهم نجداء فخرج الشيعة من تحت الحصار واستطاعوا ممارسة دورهم وإعلان آرائهم، فكتبت العديد من المصنفات، ولم يكن نهج البلاغة هو كل ما كتب في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يكن الشريف الرضي رضوان اللَّه عليه أول من جمع كلام الإمام علي عليه السلام، فإن أصحابه وأتباعه وشيعته قاموا بحفظ خطبه وكلماته، ونقلوها واحدًا لواحد منذ القرن الأول الهجري، وكتبها بعضهم في كتبٍ أو كتيبات وصل عددها إلى ما يقرب من مئة وعشرين كتابًا ألفت قبل نهج البلاغة..

يتحدث الشريف الرضي في مقدمة كتابه عن سبب تأليفه للكتاب وسبب تسميته نهج البلاغة فيبين أن سبب ذلك هو طلب بعض أصحابه أن يكتب عن بلاغة الإمام وفصاحته وعجائبهما وما جاء عنه من الحكم والخطب، فكتبه وقد أخذ بالحسبان في تأليفه له أن الإمام قد حاز الدرجات العلى في الخطابة والأدب والفصاحة والبلاغة بعد سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله الذي زقّه العلم وأرصفه إياه بلسانه.

قال رحمه الله في مقدمة الكتاب عن سبب تأليف الكتاب وتسميته بنهج البلاغة: "كنت في عنفوان الشباب، وغضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمة عليهم السلام، يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلماتهم، وفرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين عليًا عليه السلام..
وكنت قد كتبت وبوبت ما خرج من ذلك أبوابًا، وفصلته فصولًا، فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه عليه السلام من الكلام القصير في المواعظ والحكم والأمثال والآداب، دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة..
 
فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره معجبين ببدائعه، ومتعجبين من فواصحه، وسألوني أن ابتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب علمًا أن ذلك يتضمن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثوابت الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعًا في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرِّع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها...".

إذن الهدف من تأليف الكتاب وتسميته كما ذكر رحمه الله هو جمع الخطب والكلمات التي تميزت بالبلاغة والفصاحة من كلامه عليه السلام ولقد جمع ذلك من مصادر كثيرة ولم يكن قصده جمع كل ما صدر منه صلوات اللَّه عليه من كلام، فقد ذكر المسعودي الذي سبق السيد الرضي بمئة عام في مروج الذهب "إن بين أيدينا الآن أكثر من 480 خطبة لعلي‏ عليه السلام".

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج رصانة وجمال - الحلقة العاشرة - الدورة البرامجية 79.


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا