الليلة المهجورة
2024/04/07
471

امتازت ليالي العيد بالمعاني العميقة والروحية العالية، إذ تحمل معها فرصاً للتقرب والعبادة، ونفحاتٍ من الطمأنينة والأجر، غير أن الملاحظ في عصرنا الراهن هو تغافل هذه الجوانب الروحية من قبل العديد، وتحولت ليالي الأعياد كعيد الفطر وعيد الأضحى إلى منصات للترويح والاستهلاك، يغلب عليها كثافة الذهاب إلى المطاعم والأسواق بدلاً من المساجد.

والإشكالية التي تبرز هنا ليست في الاحتفاء بالعيد، وإنما في ابتعاد البعض عن البعد القدسي لهذه المناسبات؛ فالعيد بجوهره لحظة دينية تكوينية تعكس انتقالاً وانكساراً عن روتين الحياة المادية، وفرصة لجَني الثمار الروحية التي يهدينا إياها الإيمان.

رُوِيَ عن الإمام علي الرضا (عليه السلام) أنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ‏ ذِكْرِ اللَّهِ‏ جَلَّ وعَزَّ والصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله فِي لَيْلَةِ الفِطْرِ، فَإِنَّهُ لَيْلَةٌ يُوَفَّى فِيهَا الأَجِيرُ أَجْرَهُ» (بحار الأنوار: 88/132).

نعم، فإن ليالي العيد من المنازل العظيمة التي يؤدي ذكرُ الله والصلاةُ على رسوله (صلى الله عليه وآله) فيها إلى تحقيق الرضوان الإلهي، وتوزيع الأجور على عباده، وتُشدد على أهمية هذه الليالي وإحيائها بالعبادة والدعاء رِوَاياتُ أهل البيت (عليهم السلام)، فقد روي أن الإمام السجاد (عليه السلام) كان يُحيي ليالي الأعياد بطول القيام والصلاة، وروي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) يُحْيِي لَيْلَةَ عِيدِ الفِطْرِ بِصَلَاةٍ حَتَّى يُصْبِحَ، ويَبِيتُ لَيْلَةَ الفِطْرِ فِي المَسْجِدِ، ويَقُولُ: يَا بُنَيَّ، مَا هِيَ‏ بِدُونِ‏ لَيْلَةٍ، يَعْنِي لَيْلَةَ القَدْرِ» (إقبال الأعمال: 1/464).

ورَوي عن الإمام موسى كاظم (عليه السلام) أنهُ كَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَقُولُ‏: «يُعْجِبُنِي‏ أَنْ‏ يُفَرِّغَ‏ الرَّجُلُ‏ نَفْسَهُ فِي السَّنَةِ أَرْبَعَ لَيَالٍ: لَيْلَةَ الفِطْرِ، ولَيْلَةَ الأَضْحَى، ولَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وأَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ» (مصباح المتهجد: 852).

إن التراجع والتغير الذي نلحظه عند الكثير من الناس قد يعطي مؤشراً خطيراً ينعكس على السلوك، ما يتطلب ضرورة العودة لاستحضار النفحة الإيمانية، والتزود من الخيرات الإلهية، والعمل على استغلال الأوقات المباركة بما ينفع القلب والروح.

ينبغي التأمل في هذا الموضوع بعمق، فإن استعادة معنى العيد الحقيقي ليس فقط عودة للتاريخ، بل استجابة لحاجة روحية جوهرية في الإنسان المعاصر، وعلينا أن نبني جسوراً بين تقاليد الاحتفال وروح العبادة، تلك التي تغذي الروح وتجدد الإيمان، حتى نضمن لهذه الأيام قدسيتها ومكانتها اللائقة في حياتنا.

 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 963.
الشيخ حسين التميمي 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا