الحرية الشخصية والقوانين الشرعية
2024/09/26
39

الحرية الشخصية والقوانين الشرعية

من المعلوم أنَّ الحياة الإنسانية لا يمكن أن تستقيم بدون قوانين تنظِّم شؤون الناس وحياتهم، وهذا ما يقرُّه كلُّ عاقل، لذلك تجد الناس تنصاع من غير انزعاج من هذه القوانين، بل تنتقد مَن يُخالف تلك القوانين وتعدُّه انتهاكاً سافراً، فتعلو الأصوات لمعاقبة المخالف حتى يرتدع ويكون عبرة لغيره، حتَّى إنَّنا حينما نرى بلداً من البلدان يطبق القوانين، نشيد به وبمواطنيه ونتمنى أن يحتذيَ الكلُّ بهم؛ لما فيه من احترام وتقدير لتلك القوانين التي فيها نظامه، ونعدُّه بلداً مثقفاً.
وهنا لا نجد صوتاً واحداً يقول: أنا لا أريد تلك القوانين والأنظمة ولا أطبقها؛ لأني حُرٌّ في تصرُّفاتي وأفعالي، وإلَّا لقيل له: إنَّ حريتك تقف عند حدود تلك القوانين؛ إنَّما وُجدت هذه القوانين لصالحك وصالح المجتمع ونظامه، ولا يمكن لأحد أن ينتهكها أو يتجاوز عليها، وإلَّا فستجد عقوبات صارمة من غرامات وسجون!
هذا وأنَّ جميع تلك القوانين وضعية قد أوجدها العقلاء من الناس، ومع أنَّ بعضها قد يكون خاطئاً إلَّا أنَّ الناس يطبقونها ولا يعترضون عليها، فما بالك إذا كانت هناك قوانين وضعها حكيم لا يصدر منه الخطأ أبداً، بل إنَّه يعلم صالح الناس من طالحهم، فوضع تلك القوانين لما فيه نفعهم وصلاحهم، فسُميت تلك القوانين بالأحكام الشرعية، سواء تلك التي أنزلها الله تعالى في كتبه السماوية، أم التي صدرت ممَّن ارتضاهم الله تعالى وجعلهم أنبياء وأوصياء يأتمرون بأمره ويعملون بما يحبه ويرضاه، فهم معصومون لا يصدر عنهم الخطأ أبداً؛ لأنَّهم ببساطة مرتبطون بالباري عزَّ وجلَّ لا يحيدون عن أوامره ونواهيهِ قيد شعرة.
وما دمنا نحن ندَّعي أنَّنا مسلمون ونستظلُّ تحت خيمة الإسلام فلا بدَّ لنا من أن نتقيَّد بما أنزله الله تعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) من أحكام وشرائع، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نتمرّد على تلك القوانين بحجَّة أنَّنا أحرار في تصرفاتنا، فهنا لا مجال للحرية الشخصية، ولا بدَّ من تنفيذ أوامر الله تعالى من غير اعتراض أبداً! فنحن مسلِّمون طائعون وبأحكامه متعبدون.
ومثلما نحن نحترم قوانين أيِّ دولة ولا نتدخل فيها، بل نتقيّد بها إذا ما كنَّا فيها، فعلى الآخرين أن يحترموا قوانيننا الشرعية التي هي بكلِّ تأكيد أزكى من تلك القوانين الوضعية وأنفع، لما فيها خير الدنيا والآخرة.
ومثلما أنا لا أجبر أحداً خارج بلادي ومجتمعي الإسلامي من تطبيق قوانين الإسلام، فلا أسمح لأحد أن يتدخل في قوانين الإسلام التي أدين بها وأتمسك.
ومن هنا لا بدَّ لنا بوصفنا مسلمين مؤمنين من أن نعتزَّ بشرائعنا وأحكامنا وندافع عنها دفاعاً مستميتاً، ولا ندع تلك الأصوات النشاز -بداعي الحرية والحقوق- أن تعكِّر صفو إسلامنا وإيماننا، وخاصة أنَّ تلك الأصوات تدعو لكلِّ ما هو شاذ عن طبيعة الإنسان فضلاً عن قوانين الله تعالى! ويكفي أنَّك لو بحثت عن جذور تلك الأصوات لوجدتها لا تمتُّ إلى الإسلام بِصِلة، بل قد تجد بعضها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأعداء الإسلام!
ولا يظنَّنَّ أحد أنَّ تلك الدول والأصوات إنَّما تريد الخير لبلداننا ومجتمعاتنا الإسلامية، بل بالعكس تريد خرابها واستعبادها وتجهيل شبابها ونهب خيراتها، والعاقل هو مَن يتدبَّر مآربها ومطامعها، ولا يلهث وراءها إلَّا من سفه عقله وضيَّع دربه! وإلَّا فهل هناك مقارنة بين ما يريده الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وما يريدونه؟ الذي هو بالتأكيد خلاف ما يريده الله تعالى! فما لكم كيف تحكمون؟
فإذا كانوا هم يعتزُّون بما هم فيه مع ما فيه، فالأجدر بنا أن نعتزَّ ونفتخر بما نحن فيه من نعمة الإسلام وما تفضَّل الله تعالى علينا بشرائعه السمحاء، ويكفينا فخراً أن يرتبط اسمنا باسمه تعالى فنقول نحن (عباد الله)، فلينتبه بعضنا وليكن فطناً واعياً، ولا يركض وراء الشعارات الزائفة والصيحات الباطلة الملغومة باسم الحرية والحقوق، التي يتلاعب أصحابها بعواطف الناس ويوهمونهم بما هو ليس بحقٍّ، وليرجع مَن يغترَّ بتلك الأصوات إلى الحكماء والعقلاء ويزن الأمور بميزان الحق، ميزان الله تعالى، متجرِّداً عن الميول والشهوات! فالحق بيّن والباطل بيِّن، كلُّ ما نحتاجه هو أن نرى بعين الله تعالى، ولا يشوّه تلك الصورة إلَّا الشيطان الرجيم وأعوانه.
نسأل الله تعالى أن ينير قلوبنا وأبصارنا حتى نرى الحق حقَّاً فنتبعه، ونرى الباطل باطلاً فنجتنبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية  العدد1003

✍️ علي عبد الجواد

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا