أين نحن من شعار الفوز العلوي؟!
2024/04/02
77

في حياة كل إنسان توجد مرحلة فارقة يُعتبر فيها التطور الروحي ذروة الإنجاز الشخصي، خاصةً بالنسبة لمن يسعى لتحقيق الذات بمعتقدات راسخة. ويُطلق على هذه الفترة اسم: (التناغم بين الظاهر والباطن)، حيث تتماشى أفعال الإنسان مع مشاعره الداخلية، وتعكس -بصدقٍ- مكنونات قلبه.
ويتسم الإنسان في هذا المستوى من الوعي بالصدق مع الذات، وتقديره قيمته الحقيقية والعيش بما يتماشى مع فهمه ذاته، مما يقوده نحو تحقيق الأُلفة والصفاء في علاقته مع الخالق، وبالتالي، يبلغ درجات عالية من اليقين في حضرة الله تعالى.

إن مقولة الإمام علي (عليه السلام) التي قالها في يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، يوم ضربه ابن ملجم على رأسه وهو في الصلاة: (فزتُ ورب الكعبة).. كاشفة عن أمر عظيم ومؤشر واضح.. كاشفة عن صلة التفاني والإيثار الإلهي.. كيف وهو القائل: «واللهِ لَابنُ أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه» (نهج البلاغة: 5/52).

إن قول الإمام (عليه السلام) له دلالات وإشارات، فقد وصفت مولاتُنا فاطمةٌ (عليه السلام) وصفاً دقيقاً جهاده ومسيرة حياته وعظمة شخصيته، حيث قالت: «كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجَمَ قرنُ الشيطان أو فغرت فاغرةٌ من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتّى يطأ صماخَها بأخمصه، ويخمد لهبَها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون، فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال» (بحار الأنوار: 29/225).
هذه كل حياته الشريفة الطاهرة النقية الزكية قد اختتمها بتلك الخاتمة العظيمة، وتلك هي حياتهم.. وشتان ما بينهما..

اختتم الإمام (عليه السلام) حياته بالإيمان بالله تعالى وشريعته، والتمسك برسالة رسوله الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا هو المبدأ العظيم.
﴿وعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ (التوبة: 72)، فمن هذا المنطلق القرآني فاز أمير المؤمنين (عليه السلام) بالفوز الأعظم والرضوان الأكبر..

ذلك لأنه (عليه السلام) ضحى من أجل سلامة الدين والفكر، وتوضيح العناوين الإصلاحية، برغم جموع الأعداء وفتن النفاق وتحدق الطامعين ونكث المقربين..
بقي (عليه السلام) على النهج القويم والصراط المستقيم.. استُشهد وقد أدى الأمانة العظمى وصان العهد لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله).. فاستحق الفوز الأعظم.

إن الإمام (عليه السلام) استطاع أن يحرز النصر فيما يزيد على ثمانين مواجهة، هزم فيها أشد الخصوم وأشجع الفرسان، وذلك في ميادين حامية القتال، لكنه لم يعتبرها فضلاً يتحدث به، لأن إنجازاته كانت منقادة لرضا الله وخدمة الإسلام فحسب، إلا أن الإنجاز الذي رأى فيه الفوز الحقيقي هو حين صان دينه وكرامته الإنسانية والتزم بعقيدته، هناك قال بإخلاص: (فزتُ).

وهذا يرشدنا إلى النظر بعمق في مكامن الضعف لدينا، سواء في الأخلاق، أم الدين، أم الإنسانية، والتساؤل: أين نحن من الفوز الحقيقي؟
يجب علينا أن نضع حياتنا موضع تقييم وفقاً لمعايير النجاح التي أرساها الإمام علي (عليه السلام)، كي نسير على نهجه، وهو درب الفوز الحق، وأن نجتنب طريق الخسران الذي سار عليه أعداؤه.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 962.
الشيخ حسين التميمي 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا