الدعاء بين حقيقة التكاسل والتقاعس
2024/03/24
300

"أَللَّهُمَّ احْمِلْنا فِي سُفُنِ نَجاتِكَ، وَمَتِّعْنا بِلَذِيْذِ مُناجاتِكَ، وَأَوْرِدْنا حِياضَ حُبِّكَ، وَأَذِقْنا حَلاوَةَ وُدِّكَ وقُرْبِكَ "
إن سبحانه قريب من عباده، عليٌ فوق عرشه، عليم بالسرائر، وما تكنه الضمائر، وهو قريب بالعلم والقدرة من عامة الخلائق أجمعين، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين، من تقرب منه شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً.

وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته، وهو أيضا قريب من عبده بقرب ملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه..
 والاعتقاد الحق: أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، وأنه يتقرَّب إليهم حقيقة، ويدنو منهم حقيقة، وهو سبحانه الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه.

وشرط إجابة الدعاء صدق الإيمان والولاء، فالله حكيم في إجابته، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل، لكن الله تعالى يجيب عبده حتماً ولا يخيب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلين: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). 

إذن لابد من تذوّق طعم القرب الإلهي، وإن شهر رمضان لفرصة لنيل هذا القرب، إن حياة المقرّبين حياة من نمط آخر.. فبعد ما تقرّب الإنسان إلى الله سيعيش حياةً أخرى، القرب الإلهي يذهب بالإنسان إلى أجواء خاصّة ويمتّعه بشعور خاصّ جدّا. 

إن شهر رمضان لفرصة لكي نتقرّب إلى الله تعالى أكثر من أي زمان آخر لابدّ من تذوّق طعم القرب وتحسّسه، فعلى سبيل المثال إن قُبلت توبتك تتقرّب إلى الله، وإن كانت نيتك في أعمالك أن تفعلها لوجه الله، تزداد قربا إليه.. وكذلك إن راقبت نفسك لئلا تسخط ربّك، تتقرّب إليه وإن حزنت على ابتعادك عن الله في لحظات غفلتك، تتقرب إليه فبإمكانك في أوقات كثيرة أن تشعر بالقرب إلى الله.
 
فلا يجوز التسويف في هذا الأمر، لا تقولوا: «سوف نتقرّب إلى الله في المستقبل»، فإنك إن لم تتقرّب إليه الآن مع أنك أحسن حالاً من مستقبلك، فكيف بك في المستقبل وقد ازددت بعداً عن الله؟! 
فليس هذا الأمر ممّا يجوز تسويفه.. فلا يجوز لي أن أسوّف التوبة وأعلقّها إلى إشعار آخر! 
فلأتب الآن فإذا كنت أترقب المستقبل لكي تتغيّر ذائقتي وأترك الذنوب وحبّ الدنيا، فلأتركها اليوم ولتتغيّر ذائقتي الآن..

وفي أجواء القرب يجب أن تستحضر نية التقرّب في جميع أعمالك ليل نهار.. إن شهر رمضان لفرصة للتقرب، ولابدّ من تجربة هذه الأجواء التي تجعل من حياتك حياة أخرى، في هذه الحياة الطيبة الجديدة، نحن مأمورون بأن نستحضر نية التقرّب في جميع أعمالنا ليل نهار. 

نفس نيّة القربة التي يجب أن ننويها عند الصلوات، يجب أن نستحضرها عند جميع أعمالنا وأفعالنا.. فكأن الله قد دخل معنا في معاملة تجارية وكأنه قال: «اجعل كلّ أفعالك لي، لكي أشتريها منك كلّها وأجعلك من المقرّبين».

أتاك على قنـوط منك غـوثٌ *** يمُـنُّ به اللطيف المستجيـب
وكل الحادثات إذا تنـاهــت *** فموصول بها الفرج القريـب

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج نحن أقرب إليه - الحلقة الثانية - الدورة البرامجية 78.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا