ورد في الأخبار وثبت لدى المحقّقين
أنّ الكوفة هي البلد الذي سيأخذ الدور الأول في حركة الإمام المهدي
(عجل الله تعالى فرجه) وأنها ستكون عاصمة حكمه وسيكون لمسجدها
ولمسجد "السهلة" القريب منها دور طليعي رائد، وذلك لأن الإمام
المهدي (عجل الله فرجه) عندما يحرّر الحجاز والعراق سيتخذ الكوفة
مقرّاً لحكمه حيث يعقد للجيوش ويبعث بها إلى البلاد لفتحها والقضاء
على الحكّام الظالمين فيها.
وتصف الأحاديث كيفية دخول الإمام
(عجل الله فرجه) للكوفة؛ ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر (عليه
السلام) أنّه قال: "كأني بالقائم على نجف الكوفة، قد سار إليها من
مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله
والمؤمنون بين يديه وهو يفرّق الجنود في
البلاد.."، إنّ
المهدي(عجل الله فرجه) يدخل الكوفة ويصلي فيها فيضيق المكان بالناس
عندها يسأله الناس مكاناً أوسع فيأمر أن يُخطّ له مسجد فيه ألف باب
كي يقدر الناس على الدخول والخروج دون فوضى أو ازدحام.
وفي الحديث عن أبي جعفر(عليه السلام): "يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء"، وفي حديث آخر يشبه التكملة لهذا الحديث: "فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يا ابن رسول الله الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسجد لا يسعنا فيقول: أنا مرتاد لكم فيخرج إلى الغريّ (وهي النجف الأشرف) فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس".
كما أنه عن المفضّل وقد سأل الإمام
الصادق(عليه السلام): قلت: يا سيدي، فأين تكون دار المهدي ومجتمع
المؤمنين؟
قال: دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم
المسلمين مسجد السهلة وموضع خلواته الذكوات البيض بين
الغريين.
قال المفضل: يا مولاي، كل المؤمنين
يكونون بالكوفة؟ قال: إي والله، لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو
حواليها وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم.
ستصبح الكوفة المدينة العظمى
والكبرى التي يحكُم منها الإمام (عجل الله فرجه)، من قيادتها تصدر
الأوامر وإليها تعود الأمور في تنظيم العالم وتدبير شؤونه وإقامة
العدل والقسط والقضاء على الظلم والجَور، ستتمدد الكوفة وتتصل
بالنجف الأشرف التي لا تبعد عنها إلا بضعة كيلومترات وتتصل بالحيرة
وسيكون لمسجدها الذي صلى فيه الإمام علي (عليه السلام) واستشهد فيه
مقام عظيم يتجدد فيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتعاد أيامه
المجيدة التي قضاها في حلّ المشاكل بين الناس والحكم فيما بينهم
وفصل الخصومات وإقامة الحق والعدل، نعم سيتغيّر وجه الحياة من خلال
ما يصدر عن المهدي (عجل الله فرجه) المقيم في الكوفة وستتحول الأرض
كلها إلى جنة ينعم فيها كل كائن حي من إنسان وحيوان ويرتفع الظلم
والجور.
نتساءل: لماذا يختار الإمام صاحب
العصر والزمان الكوفة عاصمة له؟
اختياره (عليه السلام) الكوفة عاصمة
لدولته، لعلّه من جهة ما ورد في فضل الكوفة من الروايات، ففي خبر
معتبر عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ الله تبارك
وتعالى اختار من البلدان أربعة، فقال عزّ وجلّ: {وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الاْمِينِ}،
وطور سينين الكوفة".
وفي خبر آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): "الكوفة روضة من رياض الجنّة، فيها قبر نوح وإبراهيم، وقبر ثلاثمئة نبيّ وسبعين نبيّاً، وستّمئة وصيّ، وقبر سيّد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام)"، إلى غير ذلك من الروايات المتواترة.
إن الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى بيان شيء عن الكوفة غيبياً وتاريخياً، أمّا من الجانب الغيبي فإن هناك العديد من الروايات الشريفة التي تشير وتؤكد على أن للكوفة فضلاً على سائر البقاع، وعلى أنها من البلدان الطيبة وأنها من أراضي الجنة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: "الكوفة روضة من رياض الجنة فيها قبر نوح وإبراهيم، وقبور ثلاثمئة نبي وسبعين نبياً وستمئة وصي وقبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام)".
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: إذا فقد الأمن من البلاد وركب الناس على الخيول واعتزلوا
النساء والطيب فالهرب الهرب عن جوارهم.
فقلت: جعلت فداك إلى أين؟
قال: إلى الكوفة ونواحيها أو إلى قم وحواليها، فإن البلاء مدفوع
عنها.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: "إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها
على غيرهم من أهل البلاد"..
وأيضاً عن أنس بن مالك قال: "كنت جالساً ذات يوم عند النبي (صلى
الله عليه وآله) إذ دخل عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال
(صلى الله عليه وآله): إليَّ يا أبا الحسن.
ثم اعتنقه وقبل ما بين عينيه وقال: يا علي إن الله عزَّ اسمه عرض
ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم
سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها
السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها
مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت
إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبقت إليها قم فزينها بالعرب وفتح لها
باباً من أبواب الجنة.
وفي المصدر نفسه عن علي بن أخي دعبل، عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة".
وعن أبي جعفر (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلا) قال في الآية الكريمة: ﴿وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾، قال بأن الربوة هي الكوفة، والقرار المسجد، والمعين الفرات، وغيرها من الروايات الكثيرة في هذا المجال، هذا فضلاً عن الروايات العديدة في فضل مساجدها والصلاة فيها، وأنها من أماكن التخيير في الصلاة، وأن من أرادها من الجبابرة بسوء قصمه الله، ففي نهج البلاغة: "كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي تعركين بالنوازل وتركبين الزلازل وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلّا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل".
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: "من كانت له دار في الكوفة فليتمسك بها"،
كذلك عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في
مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
وبركاته..
فرد عليه فقال: جعلت فداك إن عزمت على المضي إلى المسجد الأقصى وقد
أتيت لأسلم عليك وأودعك..
فقال: أي شيء تريد بذلك
قال: الفضل جعلت فداك
قال: فبع راحلتك وكل زادك وصل في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة
فيه حجة مبرورة، والنافلة عمرة مبرورة والبركة فيه اثنا عشر ميلاً،
يمينه رحمة ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن، وعين من لبن، وعين من
ماء شراب للمؤمنين، ومنه سارت سفينة نوح وكان فيه نسر ويغوث ويعوق
وصلى فيه سبعون نبياً وسبعون وصياً أنا آخرهم، وقال ويده على صدره:
ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلّا أجابه الله وفرج
عنه كربه.
وهذا كله يعني أن للكوفة أثراً تكوينياً مهماً عند الله تعالى، مما يعني وجود حكمة مهمة عنده جلّ وعلا جعلته يأمر بأن تكون الكوفة عاصمة لدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
كما أن الشواهد التاريخية الكثيرة تؤكد على أن الكوفة كانت وما زالت من أهم أماكن وجود الشيعة المخلصين، على الرغم مما مر بها من محن وانتكاسات في بعض الأحيان، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام) الصلاة في مسجدها بألف صلاة، والدرهم فيها بألف درهم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان يقول: "كوفان كوفان يرد أولها على آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب".
ولذا فقد اختارها أمير المؤمنين (عليه السلام) عاصمة لدولته دون غيرها من المدن، واختارها الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كذلك قبل الصلح، واختارها الإمام الحسين (عليه السلام) على غيرها من الخيارات المتاحة له آنذاك، كاليمن وأعالي الحجاز ومكة وغيرها، والتاريخ يشهد أن الكوفة بقيت على تشيعها على الرغم مما مر بها من المآسي وعلى الرغم من قصد الطغاة لها دائماً؛ لهذا وذاك ولغيرها من الأسباب التي لا نَعلمها سيختارها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لتكون عاصمة لدولته المباركة، والله العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج بانتظار الآتي - الحلقة الحادية
عشرة -
الدورة البرامجية 77.
كيف تحمي أبناءك من مخاطر الإنترنت الخفية؟
العلاقةُ بين المنتظِر والمنتظَر