إنّ الانتظار في روايات أهل البيت (عليهم السلام) يظهر أنّ له الموضوعية، بمعنى أنّ وظيفة المؤمن قد حددها أهل البيت (عليهم السلام)، وهي الانتظار، ولا يحق له أن يبتكر ألفاظاً ووظائف من عنده، كما يردِّد البعض كلمة (التمهيد)، ويقول: لا بد للمجتمع من أن يكون ممهداً لصاحب الزمان (عجّل اللهُ فرَجَه).. في حين أنّ فكرة التمهيد وإن لم يكن فيها محذور شرعي أو عقائدي، ولكن لم تحدَّد على أنّها وظيفة في عصر الغَيبة الكبرى، فالوظيفة هي الانتظار، والانتظار حالة من الترقُّب والتوقُّع، ممزوجة بشوق وعمل واستعداد.
وهذا الانتظار هو الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه «أفضلُ أعمالِ أُمّتي» (كمال الدين: ص٦٧٤)، وهو الذي وصفه الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه من الدين الذي يُدان به، وعدّه في مصافّ الإيمان بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله)، كما روي في رواية أبي الجارود المروية في (الكافي: ج٢/ص٢٢/ح10).
فأيُّ عظمة يحمله هذا العنوان إذ يكون من وظائف الإمام (عليه السلام) ويعده من الدين، وكلُّ ذلك يدل على أنّ الانتظار مسؤولية أعظم من أن تُصور بأنّها وضع اليد على الخدِّ أو لقلقة باللسان.
مستويات الانتظار:
المستوى الأول: المستوى العقائدي
وذلك بأن يكون بين المؤمن والإمام الغائب علاقة الارتباط الوثيق؛ بأنْ يؤمن بأنّ الله تعالى قد خلق الإمام (عجّل اللهُ فرَجَه) لحكمةٍ وغيّبه لحكمةٍ ويُظهره لحكمةٍ في الوقت واليوم والمكان المناسب، وأنّ هذا الأمر غير خاضع للتمنيات والعواطف والمواقف الجزئية.
وأن يؤمن بأنّ إمامه غائب عن نظره، حاضراً معه يراقب أعماله، رفيقه في الشدائد والمحن، يسمع حين يُنادى ويُغيث حين يُستغاث به.. فقد ورد عن الإمام المهدي (عجّل اللهُ فرَجَه) قوله: «إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم.. ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا...» (بحار الأنوار: ج٥٣/ص١٧٥).
ففي هذا النص يبين الإمام (عجّل اللهُ فرَجَه) أنّ علاقته بشيعته ليست علاقة الإهمال أو النسيان بل علاقة الرعاية والاهتمام والحفظ من الاصطلام.
ثم يدعونا صاحب الأمر (عجّل اللهُ فرَجَه) بأن نظاهره ومعنى المظاهرة أن نكون بين أظهرهم، أيْ: في حمايتهم وتحت رعايتهم إيانا من مُضلّات الفتن.. فالإمام (عجّل اللهُ فرَجَه) يقول: «ظاهرونا»، بمعنى: كونوا وراء ظهورنا كي نحميكم، فاتبعونا قولاً وعملاً.
المستوى الثاني: الانتظار الشرعي
بمعنى أن يكون المؤمن مؤدياً ما فرض الله تعالى عليه من الفرائض وفق الموازين الشرعية التي رسمها الله له والمعصومون (عليهم السلام)، فمَن أدّى ما فرض اللهُ عليه فهو من المنتظِرين الصادقين.
وكيفية تحصيل الامتثال لهذه الفرائض ومعرفة حدودها لا بد من أن يكون خاضعاً لنظر ما أرشدنا إليه الإمام (عجّل اللهُ فرَجَه) وهو الفقيه العادل العالم الجامع للشرائط، فقد ورد عنه (عجّل اللهُ فرَجَه) قوله: «فأمّا مَن كان مِن الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّدوه» (الاحتجاج: ج٢/ص٢٦٣).
فنعرض أعمالنا على رسالة العالم الذي اجتمعت فيه شرائط الفتيا، فبقدر الموافقة لها يعظم الانتظار الشرعي؛ لأنّ الموافقة التامة بين العمل والفتيا تعني التقوى بحدِّ ذاتها، والمتقي من أجلى وأوضح مصاديق المنتظِرين.
المستوى الثالث: الانتظار الأخلاقي
بأن يعرض المؤمنُ أخلاقَه على كتاب الله تعالى وعلى سيرة المعصوم (عليه السلام)، فينظر مقدار الموافقة بين سلوكه الأخلاقي وبين ما أراده الله وما أراده المعصوم (عليه السلام)؛ كالحلم والعفو والتسامح والعدل والإحسان.. فبقدر الموافقة بين سيرته الأخلاقية وبين ما أراده الله وقاله وفعله المعصوم (عليه السلام) يعظم الانتظار الأخلاقي.
العلاقةُ بين المنتظِر والمنتظَر