التهجد في الليل
2024/02/19
127

يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾..
إنّ الذكر والفكر مطيّتا السالك إلى الله تعالى للوصول إلى المقصد والغاية وهي المعرفة والعبادة، فمن أوتي حظّه منهما مشفعاً بتوفيق الباري عزّ وجلّ فقد حاز قصب السبق في مضمار المعرفة والطاعة والعبادة،  ومن أخلّ بأحدهما فقد خاب وخسر بمقدار ذاك الخلل والتقصير، وقصرت همّته عن إدراك الهدف..
وممّا لا شكّ فيه أيضاً أنّ الذكر له مراتب من ناحية الأهميّة والمحبوبية والمطلوبية، فمنه الواجب الّذي لم تُرخِّص الشريعة بتركه كالصلوات اليومية، ومنه المندوب الّذي أجازت الشريعة تركه.

والواجبات هي أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله تعالى، والمستحبّ وإن جوّزت الشريعة تركه إلا أنّه يحتلّ مرتبة عظمى من الأهمية بعد إتمام الفرائض لجهة تقريب العبد من خالقه وإحداث مقتضى المحبّة له، فقد ورد في الرواية عن أحد الرواة أنه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله عزّ وجلّ:... وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إلي ممّا افترضت عليه وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ولسانه الّذي ينطق به ويده الّتي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته.

والمستحبّات أيضاً لها درجات ومراتب من حيث مدى أهمّيتها وقوّة تأثيرها على روحيّة السالك وعلى نسبة رقيّه المعنويّ والمعرفيّ، ومدى تقريبه من الغاية المنشودة وهي نيل الرضا والقرب من المعبود عزّ اسمه، فالنوافل إذاً ينبغي للمؤمن الحكيم أن يُراعي فيها الأولويات إن أراد الوصول إلى المبتغى، فيعتني عناية شديدة بالمستحبّ الّذي ثبت تأكّده في الشريعة المقدّسة، ولا يُفرّط ولا يتهاون فيه بحال، وبعده في الدرجة المستحبّ مطلقاً.

وما لا يحتاج إلى نقاش في الشريعة المقدّسة أنّ صلاة الليل والتهجُّد والقيام فيه بالمناجاة والدعاء والذكر من آكد المستحبّات الشرعية، وقد تلقّى السالكون العارفون من العلماء الربّانيين هذا التأكيد من الشريعة بدرجة عالية من الجدّية وبذل الوسع في الاهتمام به والمحافظة عليه، وبالغوا بدورهم بالتوصية به والحثّ عليه لكلّ من أراد أن يسلك طريق المعرفة والطاعة والقرب من البارئ عزّ وجلّ .

فيما يلي ما من شأنه أن يكون حافزاً قوياً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد لكي يكون في عداد المتهجّدين المداومين على صلاة الليل غير التاركين لها بحال من الأحوال، وسيكون الكلام في عدّة نقاط:

أولاً. فضل صلاة الليل في الآيات والروايات..
قبل أن نذكر ما لصلاة الليل والتهجّد فيه من فضل لا بُدّ أن نُبيّن ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) من أنّ صلاة الليل لم يُحدِّد القرآن لها ثواباً كسائر الأعمال الصالحة وما لذلك من دلالة، حيث قال (عليه السلام): "ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلّا صلاة الليل فإنّ الله عزّ وجلّ لم يُبيّن ثوابها لعظم خطره عنده"، فقال جلّ ذكره: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ "..
فمن المعلوم أنّه من أساليب التعظيم لأمر ما، التعبير عنه على نحو الإطلاق من دون تقييد، وفي موردنا إنّ الله تعالى لم يُحدِّد ثواب التهجُّد بجهة أو نوع خاصّ من الثواب وإنّما نفى العلم به، ليكون منطبقاً على أيّ ضرب من ضروب الثواب وهذا غاية الفضل والعظمة والثناء، فهذا انفراد وتمييز لهذه العبادة عن غيرها من القربات إذ لم يذكر لها ثواب محدّد في القرآن الكريم كما ذكر لكلّ من الأعمال الحسنة.

ثانياً. من آثار صلاة الليل الأخروية..
1. تجير من عذاب القبر ومن النار حيث قال الإمام الرضا (عليه السلام): "عليكم بصلاة الليل فما من عبد مؤمن يقوم آخر الليل فيُصلّي ثمان ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر، واستغفر الله في قنوته سبعين مرّة إلا أُجير من عذاب القبر ومن عذاب النار". 

2. مباهاة الله به الملائكة والمغفرة له حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينيه ليرضي ربه تعالى بصلاة ليله باهى الله تعالى به الملائكة،" وقال: "أما ترون عبدي هذا قد قام من لذيذ مضجعه لصلاة لم أفترضها عليه؟ اشهدوا أنّي قد غفرت له".

3. يقوم المتهجّدون يوم القيامة ويُحاسب الناس من بعدهم، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا جمع الله الأولين والآخرين نادى منادٍ ليقم الّذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً، فيقومون وهم قليلون ثمّ يُحاسب الناس من بعدهم".

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج زاد الآخرة  - الحلقة التاسعة - الدورة البرامجية 77.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا