تكمن عظمة الحياة في قابليتها على
التغيير وقدرتها على التطور، وتكمن عظمة الإنسان في قدرته على أن
يكون فاعل ذلك. التغيير قانون ثابت في الحياة، الإبداع ليس موهبة
يولد بها البعض ويُحرم منها آخرون وإنما هو "فن" مثل الفنون الأخرى
يمكن تعلمه من قبل الجميع.
التجديد سرّ استمرار الوجود، فالبقاء على حالة واحدة معناه انتهاء الحياة، فلو أن الليل لم يتحوّل الى نهار، أو أن النهار لم يتحوّل الى ليل، أو أن الطفل لم يكبر، أو أن الكبير لم يهرم، أو أن الشتاء لم يتحوّل الى ربيع، أو أن الربيع لم يتحوّل الى صيف، لكانت الحياة جامدة كجمود المقابر التي تتركها الآن لتعود اليها بعد ألف عام لتجدها كما كانت، لا حركة فيها ولا تغيير ولا تبديل.
لقد كان الخلق أساسًا تجديدًا عظيمًا في الكون، ثم جاء التغيير الدائم، واختلاف الليل والنهار والفصول، وعمليتا الولادة والوفاة، وما يعتري الأرض من تبديلات وتغييرات، لتشكّل تجديدًا في التجديد، ولتجعل من التطوير الدائم، قانونًا أبديًا في الحياة حيث قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [سورة المؤمنون/ 80]، فالتجديد اذن قانون هذه الحياة، ومن يتناغم معه، فيطور عمله، ويجدد فيه، ويأتي دائمًا بالجديد سيكتب له النجاح، أما من يرفض التجديد، ويقبل بالجمود فيحكم على نفسه بالفشل.
إن الأيام تتجدد، والحياة تتبدل
والبشرية تتغير فلا بد أن نتجدد مع الأيام ونجدد في الأساليب
والمناهج والأعمال وإلّا فسيكون موقعنا خارج
التاريخ.
إن الليل والنهار يبليان كل جديد
كما يقول الإمام علي (عليه السلام) فإذا لم نتطور مع الزمن ولم
نطوّر أساليبنا وأعمالنا فسوف نصاب بالبِلى
والجمود.
من الصعب إحراز النجاح من دون
القيام بأي تجديد في العمل أو تطوير في الأسلوب أو ابتكار للمنتوج،
من هنا كان كل الذين طوروا شيئًا وجاؤوا بالجديد ناجحين في أعمالهم
كما كان كل الناجحين مبدعين في مجال ما من مجالات الحياة.
هل القدرة على التطور والتطوير
موهبة أم فن؟
إن البعض يعتقد أن الإبداع "موهبة"
يولد بها البعض، ويحرم منها آخرون، ومن كان محرومًا منها فلا يمكنه
أن يفعل شيئًا، تمامًا كما أن من يُحرم من نعمة العين وراثيًا لا
يمكنه أن يتمتع بالبصر مهما حاول وسعى، غير أن الأمر ليس كذلك حتمًا، فعلى الرغم من
وجود بعض المواهب الخاصة في عملية الإبداع إلّا أنه حتى لو آمنا
بكون الإبداع موهبة، فهو من المواهب التي أعطاها الله للجميع، وإن
كانت بنسب مختلفة ومقادير متفاوتة فهو مثل العقل فالجميع يمتلكه
ولكن بعضهم يهمله وبعضهم يستعمله.
لهذا فإن التجديد مادة علمية يمكن
استيعاب أصولها وقواعدها من خلال التفكير والمطالعة والدراسة شأنها
في ذلك شأن أية مادة علمية أخرى.. فالإبداع له مراحل معينة يمكن لأي شخص اجتيازها
بإرادته وليس هو بحاجة الى قوى سحرية بل هو نظام عام متوفر للجميع
كما هو حاجة عامة يشعر بها الجميع حيث أن النفوس تمل البقاء على
حالة ثابتة والاستمرار على نمط واحد، وأول خطوة في هذا المجال هو
ألّا تقتنع بالحالة التي أنت فيها، يقول الحديث الشريف "لا مصيبة
كاستهانتك بالذنب، ورضاك بالحالة التي أنت عليها"..
والاقتناع بما هو موجود يؤدي الى
الامتناع عن محاولة الحصول على الجديد بينما المطلوب منا جميعا أن
نحاول كل يوم أن يكون عملنا أفضل مما سبقه، يقول الحديث الشريف "إن
استطعت أن تكون اليوم خيرًا منك أمس، وغدًا خيرًا منك اليوم
فافعل".
لقد أجرى العلماء الاجتماعيون خلال
العقدين الأخيرين الدراسات الجدية الأولى لهذه القدرة المتميزة على
التفكير الإبداعي وفي ضوء الأدلة التي توافرت لديهم، يعتقد هؤلاء أن
القدرة الإبداعية هي أكثر شيوعًا بين الناس مما كان يظن من قبل،
والحقيقة أن معظم هؤلاء الباحثين يقررون أن لدى كلّ منا شرارة من
العبقرية تنتظر الانطلاق.
وحينما تنطلق الشرارة فهي تنير
أطرافها بالمقدار الكافي الذي يجمع حولها الناس، فكل ابتكار جديد
يجد الاستجابة اللازمة في نفوس جمهرة كبيرة من البشر حتمًا، فيتبادر
سؤال في الذهن: كيف نجدد؟ وفي أي مجال؟
نُجيب بنقاط:
1- اجعل التجديد
أسلوبك المفضل.
2- تصيّد الأفكار
الجديدة التي تأتيك من غير ميعاد.
3- فكّر في أمور
صغيرة.
4- تخصص في شيء ما
وليكن أي شيء بشرط أن تقوم بتطويره بمرور الزمن، وجعله متميزًا عن
غيره.
5- قم بعملية
التحويل والتركيب.
إنّ كلّ شيء يصنع لحاجة معينة يمكن مع إدخال بعض التعديلات عليه أن يستخدم في مكان آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج قمم النجاح - الحلقة
الخامسة -
الدورة البرامجية 77.