قال رسول اللّه (صلى الله عليه
وآله): أوحَى اللّه ُ إلى أخي العُزَيرِ(عليه السلام):
"يا عُزَيرُ، إن أصابَتكَ
مُصيبَةٌ فلا تَشكُني إلى خَلقي، فقد أصابَني مِنكَ مَصائبُ
كَثيرَةٌ ولَم أشكُكَ إلى مَلائكتي، يا عُزَيرُ، اعصِني بقَدرِ
طاقَتِكَ على عَذابي، وسَلْني حَوائجَكَ على مِقدارِ عَمَلِكَ، ولا
تأمَنْ مَكري حتّى تَدخُلَ جَنَّتي"..
فاهتَزَّ عُزَيرٌ يَبكي، فأوحَى اللّه ُ إلَيهِ:
"لا تَبكِ يا عُزَيرُ.. فإن عَصَيتَني بجَهلِكَ غَفَرتُ لكَ بحِلمي
؛ لأنّي حَليمٌ لا أعجَلُ بالعُقوبَةِ على عِبادي وأنا أرحَمُ
الرّاحِمينَ".
من هو النبي
عزير؟؟
اختلف العلماء في نبوة عزير والرأي المشهورأنهم يعتقدون بنبوته وأنه
هو من أنبياء بني إسرائيل.
لقد بكى عزير (عليه السلام)
عندما خاطبه الله تعالى بوصاياه وتحذيراته فهل كان بكاؤه استحياءا
من أعماله، أم من وعيد وتهديد العظيم الجبار؟
لاشك أنه بكا خوفاً من عظمة الله تعالى وتهديده، لأن الأسلوب
البلاغي الذي خاطبه به رب الجلالة هو أسلوب تهديد وتعجيز، فيقول له
إعصني بقدر طاقتك على عذابي، وهيهات أن يطيق أحد تحمل عذاب الله
الجبار، فكيف إن كان نبيا أو عبدا من عباد الله الصالحين فهو يهاب
كلام وتهديد خالقه أكثر من أي بشر آخر؟!
ونعلم بأنه من البديهي لدى أنبياء الله البكاء من خشية لله تعالى
ومحبته وشوقا له وعبادة له جل جلاله..
لكن قد تكون هنالك أسباب
أخرى للبكاء، فلم بكي نبي الله نوح (عليه السلام) عند وصوله لأرض
الإمام الحسين (عليه السلام)؟
في روايات عديدة ذكر أن نبي الله نوح (عليه السلام) أقام مأتماً لما
وصلت به السفينة فوق أرض مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، فخاف
نوح الغرق فقال:
إلهي طفت الدنيا وما أصابني فزع مثل
ما أصابني في هذه الأرض، فنزل جبرائيل (عليه السلام) وأخبره بما
يجري على الحسين (عليه السلام) وأخبره بأنه سيقتل في هذا الموضع،
فبكي نوح (عليه السلام) وأصحاب السفينة، ولعنوا قاتله ومضوا.
كذلك مثله من أنبياء الله (عليهم السلام) الذين بكوا مثل آدم وموسى وإبراهيم وإسماعيل وعيسى وخير المرسلين محمد(صلى الله عليه وآله)، لمنزلة البكاء على ماجرى مع الإمام الحسين عليه السلام أجرعظيم، وكذلك منزلة البكاء من خشية الله عظيمة وثوابها أعظم، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ألا من ذرفت عيناه من خشية الله، كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنة، مكلل بالدر والجوهر، فيه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
لكن هنالك بعض الآفّات الّتي قد
تترتّب على البكاء ينبغي على الباكي من خشية الله أن يلتفت
إليها ويحترز منها، وطبعاً إنّ هذه الآفّات لو ترتّبت على البكاء
فهي نتيجة ضعف نفس الباكي، وإلّا فليس من المفروض أن يترتّب على
البكاء من خشية الله غير الخير والسعادة، ومنها:
الزهو والكبرياء فإنّ النفس نتيجة ضعفها قد تُبتلى
عقيب طاعاتها وعباداتها بآفّة العُجب، فتتوقف عن المزيد.
الارتخاء والغفلة عن الوظائف إنّ من تفاعل مع خشيّة ربّه إلى حدّ البكاء قد يتخيّل أنّه قد أدّى ما عليه ما دام قد تفاعل مع طاعة الله تفاعلاً معنويّاً، ويكون ذلك وسيلة له للتقاعس عن التضحيات اللازمة من دون الإحساس بوخز الضمير، وهذه الآفّة قد تترتّب على العبادات الأُخرى.
برودة القلب فالبكاء من طبيعته أنّه يبرّد القلب، وينفّس عن الإنسان فيضعُف عن أداء وظائفه الاجتماعيّة، ويترك ما عليه من الاهتمامات التي تحتاج إلى بذل المال تارةً، أو بذل النفس أُخرى، أو بذل الراحة وما إلى ذلك، فيبتعد بذلك عن الله تعالى بدلاً عن الاقتراب إليه سبحانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج من محادثات قدسية- الدورة البرامجية
76 - الحلقة الحادية عشر.
تربية المجتمع عند الإمام باقر (عليه السلام)