كافل اليتامى ودار الفرح
2025/06/11
32

إنَّ التشريع الإلهي منذ أكثر من أربعة عشر قرناً يأتي فوق كلّ ما تتطلع إليه آمالُ الحضارات الإنسانيَّة، ويحقق كمال التكامل الاجتماعي بأبهى معانيه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ (النساء: 9)، أيْ: إنَّ كافل اليتيم إنَّما يعمل لنفسه، فلو ترك ذرية ضعافاً -وعبَّر هنا عن الأيتام بلازمهم، وهو (الضعف)؛ إبرازاً لحاجة اليتيم إلى الإحسان- سيهيِّئ الله تعالى مَن يرعاهم لضعفهم، فليعاملوا الأيتام كما يحبون أن يعامل غيرهم أيتامهم من بعدهم، وهذا لتحقيق التكامل الاجتماعي بينهم.

ولأجل ذلك، يضع المشرِّع مشروعاً تكافلياً اجتماعياً خاصّاً لليتيم، فإنَّ يتيم اليوم رجل الغد، فكما تُحسن إليه يحسن هو إلى أيتامك من بعدك، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «مَن رعى الأيتام، رُعي في بنيه» (غرر الحكم: ص٦٠١)، فكما تدين تُدان، فإن كان خيراً كان الخيرُ بالخير والبادئ أكرم، وإن شراً كان بمثله والبادئ أظلم.

ومع هذا الحق المتبادل، فإنَّ الإسلام يحثُّ عليه، ويرغِّب في الإحسان له، ويجزل المثوبة عليه، ويحذِّر من الإساءة إليه، ويشدد العقوبة فيه.. فقد روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله: «مَن مسح يده على رأس يتيمٍ ترحّماً له، كتب اللهُ له بكلِّ شعرةٍ مرَّت عليه يده حسنةً» (فقه الرضا (عليه السلام): 172).

وروي عنه (صلى الله عليه وآله): «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنَّة، إذا اتقى اللهَ»، وأشار بالسبابة والوسطى» (تفسير مجمع البيان: ج١٠/ص٣٨٥).

واهتم المشرّع بأن يكون كافل اليتيم كالأب الرحيم على ولده، وإنّما الإحسان لنفسه، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) قوله: «كُن لليتيمِ كالأبِ الرحيمِ، واعلَمْ أنَّكَ تزرعُ كلَّ ما تحصُدُ» (كنز الفوائد: ج٢/ص٣١). ويشير أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك أيضاً: «أدَّب اليتيمَ ممَّا تؤدِّب منه ولدَكَ، واضربه ممَّا تضرب منه ولدَكَ» (وسائل الشيعة: ج21/ص479).

وكان النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وآله البررة (عليهم السلام) يُشعرون الأيتامَ بالرحمة، فقد روي أنَّه لمَّا أُصيب جعفرُ بن أبي طالب (عليه السلام)، أتى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أسماءَ، فقال لها: «أخرجي لي وُلد جعفر، فأُخرجوا إليه، فضمَّهم إليه، وشمَّهم، ودمعت عيناه» (بحار الأنوار: ج79/ص92).

وعن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عسل وتين من همدان وحلوان، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها وهو يقسمها للناس قدحاً قدحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما لهم يلعقونها؟ فقال: «إنَّ الإمام أبو اليتامى، وإنَّما ألعقهم هذا برعاية الآباء» (الكافي: ج1/ص406/ح5).

يضاف إلى ذلك أنَّ هناك آثاراً نفسيَّة لكفالة اليتيم، فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال لرجل يشكو قسوة قلبه: «أتحبُّ أن يلينَ قلبُكَ، وتدرك حاجتَك؟ ارحَم اليتيمَ، وامسَح رأسَه، وأطعِمه مِن طعامِكَ، يلِن قلبُك، وتدرِك حاجتك» (الترغيب والترهيب: ج3/ص349).

هذا كلُّه ثواب الدنيا..

أمَّا ثواب الآخرة فلا يقاس به ثواب، ومن ذلك ما روي عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «إنَّ في الجنَّةِ داراً يُقال لها: (دارُ الفرح) لا يدخلها إلّا مَن فَرَّح يتامى المؤمنين» (كنز العمال: ج3/ص170).

 

  • الشيخ جاسم الكربلائي
__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1024.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا