الشكر خير صندوق لحفظ النعمة
2023/10/27
562

من رحيق كلام يعسوب الدين وإمام الغر المحجلين نتناول اليوم الحديث الذي قال فيه (عليه السلام):- ((ما حُصّنت النعم بمثل الشكر)).

إن الشكر هو اعتراف المخلوق بنعم الله عز وجل عليه وبأن كل ما يصيبه من خير فهو عنوان للرزق أرسله اليه من بين خلقه كما أن الخالق يتحفه بالهدايا والنعم كذلك يعرضه للاختبار والضنك ليشاهد مدى صبر عبده وموافقته لأمر مولاه ولقد قيل في الامتحان (أما يكرم المرء أو يهان) فكيف بنا إذا كان الاختبار من رب العزة والرحمة فأجدى بنا أن نصبر ونوطن النفس على الشكر في السراء والضراء..

والملاحظ أن لفظ الشكر مقترن بلفظ الصبر إذ جاء في الكثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.. 
وكذلك قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}..

ولقد جاء في كتاب جامع السعادات للشيخ النراقي طيب الله ثراه وصفاً دقيقاً لصفة الشكر إذ قال: "لما كانت حقيقة الشكر هي عبارة عن عرفان كل النعم من اللّه تعالى، مع استعمالها في طريق محبة اللّه، فإن الشكر على كل نعمة، أن تعرف كونها من اللّه، وتعمل بها في جهة محبته تعالى ورضاه"..
وهنا مستمعاتي المؤمنات أكد الشيخ النراقي رحمة الله عليه انه ينبغي ان نشكر المنعم بصرف تلك النعمة التي وهبت الينا عن طريق استعمالها بما يرضي الله لا بعمل المنكرات والموبقات وصرفها فيما يغضب الرب الجليل وحتى هذه المعرفة التي وصلنا إليها هي من نعم الله وفضله لأنها تصب في مصلحتنا، إذ رزقنا البصيرة والحكمة، التي تنتهي بنا الى حسن العاقبة، والدخول في الحصن الإلهي، الذي هو الآخر يحتاج الى شكر لله، وبذلك فأننا دائماً في دائرة الشكر للمنعم الذي لا ينفذ كرمه..

كما أن المحافظة على تلك النعم التي رزقنا بها يتحقق بكثرة شكر المنعم كما أن الشكر يوجب زيادة النعمة وهذه معادلة وضعها الخالق لعباده لقوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

كما ينبغي أن تظهر علامات الشكر لله عز وجل على لسان عباده من خلال الثناء والتمجيد وأن يكون قلبه شاهداً ومحباً له، وجوارحه مشغولة بالطاعة والعبادة.

وصور الشكر مختلفة فالشكر عن نعمة المال يكون باستخراج مستحقاته من زكاة وخمس وصدقات للفقراء والشكر على نعمة الذرية بأن نحسن تربيتهم أما الشكر على الجوارح هو من أرقى أنواع الشكر، فشكر نعمة البصر يكون بتحصين العين من النظر الى المشاهد المحرمة وهكذا..

وعلينا أن نتذكر دوماً أن الخالق غني عن عباده ولا يحتاج الى شكرهم لكنه أغدق عليهم نعمة الشكر لكي ترتفع درجاتهم عنده، وهنا الشكر يدعونا الى مجاهدة النفس وتدريبها على فعل العمل الصالح والابتعاد عما يسيء اليها من موبقات وكبائر، وأن نطبق قول إمامنا الصادق عليه السلام في الحفاظ على الكرم الإلهي ومن تغير الحال إذ قال عليه السلام: ((لا زوال للنعماء إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، والشكر زيادة في النعم، وأمان من الغير)).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج من رحيق البلاغة- الدورة البرامجية 76 - الحلقة الثامنة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا