نتصفح اليوم عبير إحدى الصفحات التي تنطوي على إحدى حكم أمير المؤمنين إذ قال عليه السلام: "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه"..
إن من بلاء الدنيا واختباراتها أنه يقع المرء أحياناً تحت ظلمٍ ما سواء كان من القريب أم البعيد فيحصل تعدي على بعض حقوقه ويحرم من تكافؤ الفرص في تلبية احتياجاته الإنسانية الأساسية أو عدم معاملته بإنصاف، حيث أن للظلم أشكال متعددة تتمثل في عدم المساواة، أو الاستغلال، أو التهميش والأقصاء، أو استخدام العنف النفسي أو اللفظي أو العنف الجسدي وهذه حقيقة مؤلمة يتعرض فيها المظلوم الى الكثير من الأذى النفسي والذي ربما يؤدي الى أمراض جسدية..
من نعم الله عز وجل على عباده هو نصرة المظلوم، ولو بعد حين، لأن الله عز وجل عادل ولا يترك عباده المؤمنين دون أن ينصفهم ويأخذ حقهم ممن ظلمهم أما بأيديهم أو بأيدي أناس آخرين إذ يجعلهم طوقاً للنجاة ممن ظلمهم..
وهنا يوجهنا أمير المؤمنين عليه السلام الى أمر مهم في امتلاك زمام النفس البشرية عند التمكن من الأعداء وأن هذا النصر عليهم كان من نعم الله وقدرته وفضله في تحقيق العدالة الإلهية وينصحنا عليه السلام أن لا نغالي في الانتقام من الأعداء إنما يكون العفو عليهم تعبيراً عن شكرنا للمنعم الذي من علينا بهذا الظفر والانتصار إذ جعلهم تحت أيدينا بعدما كانوا مسلطين علينا بدون وجه حق.
كما لا يخفى علينا أن كلامه هذا عليه السلام دعوة الى العفو والتسامح وإشاعة للمحبة والوئام الذي يقوي المجتمعات ويمكنها من ردء الأعداء ونبذ الأحقاد والضغينة التي تؤدي بالمجتمع الى الزعزعة وعدم الاستقرار ويكون ذلك عن طريق البرمجة العقلية للنفس البشرية بزيادة وعيها وتنبيهها ان كثرة الأحقاد لا تولد غير الضعف والوهن في المجتمعات وتصبح الأفراد والجماعات طعام هش لكل من يحاول أن يبث سمومه ويتغلغل بين صفوفهم..
وهنا أيضا يمسي المرء بين صراعين في داخله، بين لذة الظفر بالعدو والنيل منه، إذ تسيطر على منافذ تفكيره، فلا يرى الظافر إلا نفسه، ولا يسمع إلا نداء العاطفة، وأن هذه الفرصة قد فتحت له باب الانتقام بينما ضميره الإنساني ووازعه الديني يذكره بأن من عفا عن حقه الخاص لوجه الله كان الله له ناصر وعوض عليه أضعافا مضاعفة.
إن العفو عند المقدرة من شيم الكرام، ومن شيم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن نبي الله يوسف الصديق عليه السلام، عفا عن إخوته الذين حاولوا قتله، ورموه في البئر صغيراً وباعدوا بينه وبين أبيه وباعوه عبداً لإحدى القوافل غير آسفين على فعلتهم، ومع كل ذلك الجرم الذي فعلوه معه قابل أساءتهم بالإحسان إليهم وعفا عنهم..
وكذلك العفو الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وآله عند فتح مكة وعفا عن جميع من فيها من كفار قريش الذين حاربوه وأخرجوه من دياره وعذبوا المسلمين بمقولته المشهورة لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
إن من عطايا رب السماء أن يمحو كل ما في الذاكرة من ألم ويبقي فقط اللحظات السعيدة التي قضيناها مع الأشخاص الذين آذونا من قبل فإن نعمة النسيان من النفحات الإلهية والنعم الربانية لاستمرار الحياة وأن أكبر عدو يواجه الفرد هو ارتباطه بالماضي الأليم والتغلب عليه يولد الأمل والشعور بالسعادة وعلينا أن نعيش بحب وسلام في هذا العالم الواسع، حيث التسامح هو السبيل للسعادة وهو أسرع طريق للتخلص من الشعور بالضيق والمعاناة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج (من رحيق
البلاغة) الدورة
الــ 76 -
الحلقة الأولى.
العفاف من أبرز أمثلة الجهاد في الحياة