الإمام العسكري (عليه السلام) والدفاع عن القرآن الكريم
2023/09/21
818

في رواية مهمة تاريخية تشكل منعطفاً عقائدياً، مفادها: (أن إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وأن بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقال له: أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله القرآن.
فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أوفي غيره؟
فقال له أبو محمد: أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟
قال: نعم، قال: فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها؟ فإنه سيقول لك: إنه من الجائز؛ لأنه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه.. أخبره..
فقال: أقسمت عليك إلا أخبرتني مَن... ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه) (انظر: مناقب آل أبي طالب: 3/525).

نأخذ من دفاع الإمام العسكري (عليه السلام) عن القرآن الكريم عدة دروس وعبر مهمة، وقد يتناول الانتقادات والتحليلات التي يقدمها العالم الكندي الموصلي ويوضّح الآراء المتضاربة والتناقضات التي يراها بعقله في القرآن الكريم، ويعتبرها أدلة على عدم صحته وقد يعرض رؤى وتفسيرات مختلفة حول تلك الآيات لإظهار وجهات النظر المتعددة وتفسيرات مختلفة لهذه الآيات.

إن تحدي القرآن الكريم هو مصطلح يستخدم لوصف محاولات بعض الأشخاص في إثارة تساؤلات وشكوك حول صحة وصدق القرآن الكريم وتحدي صحة ما ورد فيه، فالعالم الكندي الموصلي أطلق تحدياً مماثلاً حول القرآن الكريم، حيث اعتبر أن هناك تناقضات في القرآن الكريم. وحاشا كتاب الله المنزل على نبيه.
كما يمكن أن نستفيد من دفاع الإمام العسكري (عليه السلام) أنه يستعرض السياق الشمولي والتاريخي للقرآن الكريم وماهية الخطاب القرآني، وذلك لتوضيح أهمية فهم القرآن في سياقه الصحيح.

ومن خلال الرد على تحدي الكندي الموصلي، قدّم الإمام العسكري (عليه السلام) مخططاً لتعزيز الإيمان بالقرآن الكريم وفهمه بشكل صحيح من قبل المسلمين، وفي الوقت نفسه، يُمكن أن يُظهر للآخرين أهمية الدراسة العميقة والتفكير النقدي في الدفاع عن القرآن الكريم، وأنه لا يتعارض مع العلوم الحديثة، بل يصحّح ويوضّح المفاهيم والمعرفة البشرية.

ويمكن أن يهدف دفاع الإمام العسكري (عليه السلام) عن القرآن الكريم إلى تبيان الجمالية والتدقيق اللغوي والأدبي والعلمي للقرآن الكريم، وأنه يركز على المنهجيات الدقيقة لفهم القرآن الكريم وأدلة وقواعد التفسير القرآني.

وقد أرسل له الامام (عليه السلام) أحد طلبته بكل تواضع وأدب بارع مع أسلوب لطيف حتى يضعه أمام الواقع الذي اشتبه عليه!
هذا الدرس يشكل جانباً مهماً في التمسك بكتاب الله تعالى وعدم الانجرار إلى الثقافات الدخيلة؛ من خلال فهم وتحليل النقاط المتناقضة المقدمة من العالم الكندي الموصلي، وقد تمكن الإمام العسكري (عليه السلام) بواسطة أحد طلابه (الكندي) من أن يثبت صحة ومصداقية القرآن الكريم، وأنه لا يوجد تناقض فيه وأنه كتاب منزل من الله سبحانه.

عندما نتعلّم كيف نفهم وندرس القرآن الكريم بدقة دون التأثر بالثقافات الأخرى، فنحن بذلك نحافظ على عقيدتنا والقيم والتعاليم الإسلامية الأصيلة، وهذا يساعدنا على تجنّب الانجرار والتأثر بالمفاهيم الخاطئة أو الثقافات الأجنبية التي قد تنحرف عن تعاليم الإسلام الأصيلة.

علاوة على ذلك، تساعدنا هذه الرواية الشريفة في بناء الثقة في كتاب الله العزيز وتثبيت الإيمان والعقيدة المسلمة، وذلك من خلال التحفّظ والتروي في فهم الآيات التي قد تبدو لنا متناقضة! وعدم الانجرار إلى التفسيرات الخاطئة أو العقائد المتناقضة مع تعاليم القرآن الكريم، فهذا الدرس يمثل دعوة تجديدية لتعزيز فهمنا للقرآن الكريم بناءً على المنهج الإسلامي الصحيح، وعدم الانجرار إلى الثقافات الدخيلة التي قد تؤثر على فهمنا السليم لكلام الله تعالى، وأن نحرص على الحفاظ على تماسك ديننا وتعاليمه ونمدّ الجسور بيننا وبين كتاب الله تعالى ونحقق التقرّب منه تعالى في حياتنا اليومية.

 

___________________________________
المصدر: نشرة الكفيل (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 935.
حسين محسن علي



تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا